Thursday , 21 November 2024 KTM College
Literature

آسفة أمس....عاصفة اليوم

12-November-2018
أبو رزين

سرعان ما وصلت إلى كوخها الصغير رمت حقيبتها إلى جانب وقارورة الماء إلى جانب آخر، هرولت "آسفة" إلى حظيرة خيلها لسقيها الماء، ثم قبضت سرجها ومشت إلى تلك الوديان المفرشة بالخضراء والمزيّنة بنبتات صغيرة جميلة وشجيرات مورقة وارفة....كانت تحبّ تلك الوديان لأن خيلها يحبّها...كان سقي الخيل ورعيه من أعمال أمّ آسفة.....فتكلّفت آسفة تلك الأعمال لتضع عن أمّها أثقالها حتى أصبحت مع الخيل في جميع أوقاتها الفارغة....الآن الخيل جزء لا يتجزء من حياتها...مشت مع الخيل كثيرا في تلك الوديان متجاوزة واديا بعد واد باحثة الأعشاب المفضّلة عند الخيل..وكانت عيناها تقرّان حينما تشوف الخيل يأكل الأعشاب ويشرب الماء..وكان بطنها موفورا عندما يصير بطن الخيل موفورا....وهذا ما منعها لإجابة نداء أمّها، رغم النداء المتكرّر منها لأكل شيء أو كوبا من الشاي......
هدوء القلب والاطمئنان النفسي يجعل الإنسان مريحا وهادئا، وأما الاضطرابات والتوتّرات فتزوّد الإنسان بالليالي الساهرة واللحظات الثقيلة...
لعبت الرياح المسائية بعيني آسفة، فأغمضتهما حتى استغرقت سويعة في نوم عميق هادئ....وما أيقظها إلا نداء ولد من خلفها....هو يصحو قائلا: " قد عدى خيلك واختفى وراء تلك الأتلال...." استيقظت ونفضت التراب عن ثيابها ونادت خيلها بصوت عال...لم تمكث كثيرا فهرعت إلى المكان الذي أشار إليه الولد مزوّدة جميع قواها....ولحظة وصولها إلى تلك المكان شعرت بقبضة شديدة حول عنقها كأنها حطّت الصخرة على عنقها الصغير...ارتجفت آسفة بشدّة القبضة وعلمت أنه ذلك الولد...سألته عن الخيل...ما نبس بكلمة....فجرّها إلى الأمام وهي في يديه المفتولتين حتى وصلا إلى ساحة الدير....فسألت صاحب الدير أيضا عن خيلها وما خرجت بنت شفة منه....أدخلاها إلى داخل الدير ثم لم تتذكّر شيئا إلا سقيها شيئا فسقطت مغشية عليها......
والشمس تأوي إلى مغربها بعدما أيقظت كل من على الأرض وزوّدت المخلوقات بأشعتّها....والرعاة يرجعون إلى أكواخهم مع أغنامهم وخيولهم وبطونها موفورة....والطيور تلجأ إلى أكوارها بطانا.....
تمضي اللحظات والدقائق....تقبض الرعبة والرهبة والدي آسفة....ويمضي وقت رجوعها المعتاد من المرعى....خرج والدها من تلك الكوخ الصغير مناديا آسفتها وسائلا كل من رأى على جوانبه عنها....وكان ردّ الجميع "آسف"..تتثاقل قدماه وتزداد نبضاته...وبكلّ جدّ وكدّ وضع قدميه الثقيلتين إلى الأمام حتى وصل إلى ساحة الدير فسأل صاحبها عن آسفة رغم تأكّده من عدم معرفته إياها...لأن أصحاب الديور يسكنون داخل الجدران الأربعة للدير ولا يعرفون ما يقع في الخارج ولا يهمّهم ما ينزل بحولهم....ردّه صاحب الدير ما توقّع...ينقطع جميع آماله ويضيق المكان أمامه ولا يوجد أمامه مكان للبحث والطلب عنها....
وبعد شهرين جاء حكم المحكمة عن اختفاء آسفة... "آسفة، خطفها وافترس عليها بعض الرجال...المجرم الأوّل صاحب الدير، والثاني ولد لم يبلغ العقد الثاني من عمره، والبعض الأخر بعض أصحاب أمن الدولة...".
اليوم أصبح أمر آسفة "عاصفة" في البلد....الهتافات ترتفع في الشوارع والمدن...وتكتظّ جميع الأماكن بالمظاهرات الكبيرة...ويرفع الجميع ملصقات "العدل لآسفة" "عدم تكرار آسفة"....وينشر هاش تاغ في وسائل التواصل الاجتماعي....ويلبس البعض قميصا يحمل صورة آسفة ومكتوبا عليه "حذرا من المعابد والديور أيضا"....ويتعهّد البعض الآخر ألا يدخل الدير الملطّخ بدماء البريئة على طول حياتهم...تهبّ العاصفة جميع أماكن البلد حتى قام كل واحد بإسهامه وردّ الجميع لهذه الحادثة المؤلمة حسب استطاعته....إلا البعض...وهذا البعض يقولون "نحن آسفين" ويبحثون آسفات أخريات..........