Thursday , 21 November 2024 KTM College
Literature

ميزات ألفيتي ابن مالك والسيوطي: دراسة مقارنة

30-September-2021
شعيب بن عبد السلام
باحث الدكتوراه، كلية كى تي يم للدراسات المتقدمة، كروفاراكوند، جامعة كالكوت

 ومن الحقائق الواضحة أن اللغة العربيّة من أبرز اللّغات وأكثرها تداولاً بين شعوب العالم وكذلك علم النحو من أشرف علوم اللغة العربية حيث يساعد في التعرف على صحة أو ضعف تراكيب اللغة العربيَّة، ويكون الهدف من ذلك تجنب الوقوع في أخطاء التأليف، والقدرة على الإفهام. وقد أدت ألفيتا ابن مالك والسيوطي دورا بالغا في انتشار علم النحو بين العلماء وطلبة العلم، وذلك ما لكتابهما من مكانة مرموقة بين العلماء، فقد احتوتا على براعة وإبداع في نظم الأبيات و ترتيب الأبواب وتنسيقِها بشكلٍ ممتاز. فيسعى هذا البحث إلى تتبع ميزاتهما مع تسلط الضوء على حياة الإمامين الجليلين ابن مالك والسيوطي رحمهما الله رحمة واسعة.

محمد ابن مالك

هو جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الشافعي النحوي اللغوي كان يكنّى بأبي عبد الله ويلقب بجمال الدين. ولد في الأندلس سنة ستمائة وأخذ العربية من غير واحد من العباقرة وجالس ابن عمرون وغيره بحلب، ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها وأنفق أوقاته فيها بالتصنيف والإملاء.
وكان بارعا في العلوم اللغوية. وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله فيه: صرف همّته إلى اتقان لسان العرب، حتّى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السّبق، وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها، وصنّف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار الشاطبية، وأما اللغة: فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والإطلاع على وحشيّها، وأمّا النحو والتصريف: فكان فيه بحرا، لا يجاري وحبرا لا يباري. وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو: فكان الأئمة الأعلام يتحيّرون منه ويتعجبّون من أين يأتي بها، وكان نظم الشعر سهلا عليه، هذا مع ما هو عليه من الدّين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل، وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار.
رحل ابن ملك من الأندلس إلى الشرق ونزل بالقاهرة ثم رحل إلى الحجاز ثم نزل بدمشق وبعد ذلك صرف إلى حلب وأمّ بالسلطانية وهي مدرسة بحلب تسمّي بالظاهرية أسّسه الملك الظاهر الغازي بن صلاح الدين الأيوبي ثم رحل إلى حماة ثم قدم دمشق مستوطنا واشتغل بها تصنيفا وتدريسا بالجامع وبالتربة العادلية وتولّى بها مشيخة العادلية الكبرى.
وكان رحمه الله صاحب تصانيف عدة في مجال النحو واللغة والعروض والحديث والقراءات. ومن أشهر كتبه في النحو: "الكافية الشافية"، وهي أرجوزة طويلة في قواعد النحو والصرف، وكتاب "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" جمع فيه بإيجاز قواعد النحو مع الاستقصاء؛ بحيث أصبح يُغني عن المطوَّلات في النحو، وقد عُنِي النحاة بهذا الكتاب، ووضعوا له شروحًا عديدة. وفي اللغة: "إيجاز التصريف في علم التصريف"، و"تحفة المودود في المقصور والممدود"، و"لامية الأفعال"، و"الاعتضاد في الظاء والضاد". وفي الحديث كتاب "شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح"، وهو شروح نحوية لنحو مائة حديث من صحيح البخاري.

جلال الدين السيوطي

هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي وهو إمام حافظ، ومفسر، ومؤرخ، وأديب، وفقيه شافعي. أنجب رحمه الله للأفق العلمي مصنّفات عديدة تبلغ نحو ستمائة . وكتب أكثر كتبه حينما اعتزل عن الناس لما بلغ أربعين من عمره فخلا نفسه في روضة المقياس على النيل. و كان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وكان يلقب بـ ابن كتيب – لانه ولد بين الكتب.
ينتسب السيوطي إلى أسرة كريمة شريفة تعود جذورها إلى همام الدين الخضيري الذي عاش صوفيا وصاحب حقيقة. والخضيري نسبة إلى محلة الخضيرية في بغداد. ولد الإمام مساء يوم الأحد غرة شهر رجب من سنة 849هــ، الموافق سبتمبر من عام 1445م في القاهرة. وتلمذ الإمام السيوطي على أيدي كثير من العلماء العباقرة مثل الشيخ البلقيني والشرف المناوي وجلال الدين المحلي والحافظ ابن حجر العسقلاني والشمس الصيرافي وغيرهم.
وكانت مؤلفات السيوطي رحمه الله تستوعب مختلف مجالات العلوم من التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها. ومن هذه المصنفات: الإتقان في علوم القرآن وهمع الهوامع على شرح جمع الجوامع ومفحمات الأقران في مبهمات القرآن وترجمان القرآن في التفسير المسند والبهجة المرضية في شرح الألفية والتكملة ترجمة الشيخ جلال الدين المحلي والتحبير في علوم التفسير وحاشية على تفسير البيضاوي وكتاب الفريدة وتناسق الدرر في تناسب السور. وتوفي رحمه الله في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله وقد أصابه قبل موته بسبعة أيام ورم شديد في ذراعه الأيسر.
 

أهمية ألفيتي ابن مالك والسيوطي


الألفية صيغة نسبة إلى الألف من العدد المعروف سمّيت به مجموعات من المتون الشعرية التي تجمع قواعد علم من العلوم اللغوية ومن أشهرها الخلاصة التي اشتهرت بالألفية على الإطلاق وهي للإمام النحرير النحوي المشهور ابن مالك رحمه الله. وقد فاقت هذه ألفيةَ ابن معطي لفظا ومعنى لأنها من بحر واحد وتلك من السريع والرجز ولأنها أكثر أحكاما منها. ثم زاد الإمام جلال الدين السيوطي في ألفيته مسائل أخرى وقال " فائقة ألفية ابن مالك" ولا شك أن أشهر الألفيات في الأوساط العلمية ألفيتا ابن مالك والسيوطي وأوّل الألفيات ألفية ابن معط.
ووجه التسمية هو أن عدد أبيات هذه الكتب قارب الألف أو أن أبياتها كثيرة وقد جرت عادة العرب أن تجعل لفظ ألف رمزا للتكثير وقد يسمّى أيضا باعتبارت مختلفة كما اشتهر رسالة الماطوري المعروف في ألسنة بعض الناس بألفية الماطوري لما أن مؤلفها أبا صالح محمد الفيضي الماطوري ألفها مقتبسا من ألفية ابن مالك، ليس في رسالته ألف بيت ولا حتى نصفه.
ولقد نالت ألفيتا ابن مالك والسيوطي اعتناء العلماء بحوثا وشروحا وحواشيا وتعليقات وتحقيقات حتى يعدّ ألفية ابن مالك أشهر كتب النحو في هذا العصر على الإطلاق وفي الأزمنة الماضية بعد الكتاب لسيبويه، وقد تأثر ابن مالك بألفية ابن معط في المنهج فألفها على غرارها وفي بعض الأحيان أنه يتأثر ببعض ألفاظ ابن معط بعينها فينقلها بنصها أو أنه يرض نفس الفكرة المذكورة في ألفية ابن معط ولكنه يجلب من عنده ألفاظا مستقلة ليبيّنها، وأضاف إليها ما تركه ابن معط فقال: فائقة ألفة ابن معط.
وأمّا ألفية السيوطي فشهرتها وأهميتها لا تقل عن ألفية ابن مالك وقد حظيت باهتمام كبير من العلماء بحوثا وشروحا ومن لطائفها أنه شرحها مؤلفها وسمّاها بالمطالع السعيدة في شرح الفريدة وكان اسم ألفيته "الفريدة" كما كان اسم ألفية ابن مالك "الخلاصة "ولكنّهما اشتهرتا بالألفية. واعتمدا للتأليف على العديد من المصادر النحوية واللغوية ومن أهمّ ما يلاحظ على أن ابن مالك يمثّل على القاعدة النحوية بما يضربه النحاة من أقوال العرب بينما السيوطي يطبّق القاعدة النحوية دون تمثيل، وعلى كل حال أنهما قد اعتمدا على أقوال النحاة القدماء كثيرا إذ يبلغ مجموع العلماء عند الإمامين اثنى عشر عالما.

ميزات "الخلاصة"

عدد أبيات الخلاصة تبلغ ألف واثنان بيت ولخّص ابن مالك رحمه الله في واحد وتسعين وتسعمائة منها النحو والصرف والصوت وقدّم له بسبعة أبيات وجاءت خاتمته في أربعة أبيات، وسمّاها الخلاصة لأنها مختصر للكافية الشافية التي ألفها ابن مالك نفسه بثلاثة آلاف بيت وقيل لأنه جمع فيها خلاصة أفكاره وعلمه. تبدأ الألفية بباب الكلام وما يتألف منه وتختتم بباب الإدغام وفيها خمسة وسبعين فصلا، ونسجت أبياتها في بحر الرجز ووزنه مستفعلن ست مرّات. ومما أشرنا إليه أن ابن مالك قد أورد في ألفيته أسماء الأعلام أكثر من الكتب حتى لم يذكر في ألفيته إلا كتابا واحدا وهو " الكافية" في باب الإدغام حيث يقول :
أحصى من الكافية الخلاصـــة
كما اقتضى غنى بلا خصاصة
وتذكر رحمه الله في بداية الكتاب ابن معط صاحب "الدرة الألفية"، وهو الشيخ المعروف بأبي الحسين يحيى ابن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي ولقب بزين حيث يقول:
وتقتضي رضى بغير سخط
فائقة ألفيّة ابن معـــــــــــــــــــــــط
ومن القبائل المشهورة التي أوردها ابن مالك في ألفيته ما تلي:
- قبيلة طي حيث يقول:
ومن ما وأل تساوي ما ذكر
وهكذا ذو عند طيء شهـــــــــــر
- قبيلة هذيل حيث يقول :
وألفا سلّم وفي المقصور عن
هذيل انقلابها ياء حســـــــــــــــــــــــن
يقول فيه أن المقصور يجب فيه إذا أضيف إلى ياء المتكلّم تسكين آخر المضاف وبناء ياء المتكلّم على الفتح في محل جر إلا عند هذيل فتقلبه ياء

- أهل البصرة ونحاتها حيث قال :
والثاني أولى عند أهل البصرة
واختار عكسا غيرهم ذا أســــره
وأيضا
وإن يفد توكيد منكور قبـــــــــــــــــل
وعن نحاة البصرة المنع شمل
يقول فيه : إن وجد عاملان يتطالبان عملا في اسم ظاهر متأخر عنهما فلواحد منهما العمل وقد اختلف النحاة في أي واحد منهما العمل فالثاني أولى عند أهل البصرة واختار غيرهم يعنى الكوفييون عكس ما اختاره البصرة.
ويجوز توكيد النكرة إذا افادت فائدة إلا عند نحاة البصرة فمنعوا ذلك مطلقا
- قبيلة تميم ذكره ابن مالك ثلاث مرات حيث قال :
عند تميم واصرفن مـــــا نكّـــــــــــــــــــــــــــرا
من كلّ ما التعريف فيــــه أثـــــــــــــــــــــرا
وقل لدى التأنيث إحدى عشره
والشين فيها عن تميم كســـــــــــــــــــــــره
- الكوفييون حيث قال :
ونقل فتح من سوى المهموز لا
يــــراه بصري وكوف نقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا
يقول فيه أن البصريين لا يجيزون النقل إذا كانت الحركة فتحة إلا إذا كان الآخر فتحة خلافا للكوفيين فإنّهم يجوّزون الوقف بالنقل مطلقا
 

ميزات " الفريدة"

أراد الإمام السيوطي بكتابه " الفريدة" أن يفوق ما قام به ابن مالك في كتابه "الخلاصة" ثم بين ترتيب المنظومة في مقدمات ثم سبعة أبواب يشمل كل منها جملة من الفصول، ويتفق هذا الترتيب مع ترتيب ألفية ابن مالك في كثير من الأحيان، ولا يتخلف إلا في أحيان قليلة، ففي المقدمات تناول السيوطي الكلام وما يتألف منه، والمعرب والمبني، والنكرة والمعرفة، والعلم وأسماء الاشارة، والمعرف بالأداة، والموصول، ثم الموصول الحرفي، وهذه الفصول هي نفس ما تناوله ابن مالك في الألفية بيد أنه تحدث عن الموصول قبل المعرف بالأداة، كما أنه لم يتناول الموصول الحرفي، فهو من زيادات السيوطي على ابن مالك في ألفيته.
وقد بدأ الإمام السيوطي كتابه بعد الحمد والصلاة بقوله:
فهذه ألفية فيه حوت ... أصوله ونفع طلاب نــــوت
فائقة ألفية ابن مالك ... لكونها واضحة المسالك
لأنه قد زاد فيها على ألفية ابن مالك نحو تسع وأربعين وخمسمائة زيادة وتضم أبوابا وفصولا كثيرة يبلغ مجموعها مائة فصل، أوّلها 'الكلام في المقدمات' وآخرها 'خاتمة في الخط' وعدد أبيات ألفيته ثلاثة أبيات وألف. ويقول الإمام السيوطي عن قوله 'فائقة ألفية ابن مالك': إن ألفيتي فاقت ألفية ابن مالك لكنها ليست أوضح منها، بل فاقت في التنبيه على القيود التي أهمل ابن مالك ذكرها، وقد زاد الإمام السيوطي عليها من التنبيهات والزوائد ما لا يستغنى عنه طالب العلم. ومن اللطائف أن للأجهوري المالكي ألفية زاد فيها على السيوطي وقال: "فائقة ألفية السيوطي".
ذكر الإمام السيوطي أربعة كتب في ألفيته الأوّل منها ألفية ابن مالك ذكره في مقدمّة الكتاب حيث يقول:
فائقة ألفية ابن مــــــــــــالك
لكونها واضحة المسالك
والثلاثة الباقية ذكرها في نهاية ألفيته في باب 'خاتمة في الخط' بقوله:
فريــــــــدة في كلّ عــــــــــــــــــــــــــــــقد درّه
في جبهة المختصـــــــــــــرات غـــــرّه
كافية للطالبين وافيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
بمقصد للمعظلات شافيــــة
أتت من التسهيل للخلاصـة
فما لقارئ بها خصاصــــــــــــــــــــــــــة
ذكر فيها الفريدة وهو كتابه الذي اشتهر بألفية السيوطي فيمدح بأول هذه الأبيات ألفيته لكونها كافية لطالب العلم وشافية له وحاوية مسائل كثيرة، ويريد بـ"الكافية الشافية" الأرجوزة التي نظمها ابن مالك في مسائل النحو والصرف وهي كبيرة الحجم إذ يبلغ عدد أبياتها ألفين وسبعمائة ونيف وخمسين بيتا، لخّصه ابن مالك في ألفيته ويقصد السيوطي أنه أخذ منه أيضا ويريد الناظم بالتسهيل" كتاب التسهيل" لابن مالك يعني ألفيته جاءت منظومة على نمط هذا الكتاب.
وقد أورد السيوطي في ألفيته بعضا من العلماء كما أنه ذكر ابن مالك في ثلاثة مواضع منها قوله :
فائقة ألفية ابن مـــــــــــــالك
لكونها واضحة المسالك
ومنها قوله:
ولام الابتدا أو لعـــــل أو
لا يمين لابن مالك ولو
هنا يقصد السيوطي التعليق، وهو ترك العمل في اللفظ، لا في التقدير لمانع، لهذا يعطف على الجملة المعلّقة بالنّصب لأن محلّها نصب، والمانع كون أحد المفعولين: استفهام أو مضاف له أو تال ما أو إن النافية أو لام ابتداء، وقد عدّ ابن مالك من المعلّقات: لو
وقد علم الأقوام {لو} أنّ خاتما
أراد ثراء المال كان له وفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
ووجه المنع في الجميع أن لها الصدر، فلا يعمل ما قبلها في ما بعدها.

ومنها قوله :
وعامل التمييز حتما سبـــــــــــــــــــــــــــــــــــقا
وسبق فعل صرف الشيخ انتقى
وهو يقصد بــ"الشيخ" ابن مالك فهو يقول: لا يقدم التمييز على عامله فان كان فعلا متصرّفا فيجوز تقديمه في مذهب المازني والكسائي والمبرد وغيرهم لأن الفعل عامل قوي بالتصرّف، وهذا ما اختاره ابن مالك.
وذكر السيوطي "الأخفش" وهوأبو الحسن الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة حيث يقول:
وأي إن يحذف ضمير الصلة
وأتبع الأخفش في إعـــــــراب تي
ويقصد به أن أي ممّا يبني على الضمّ وذلك إذا أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا.
وقد ذكر السيوطي سيبويه في مواضع منها قوله :
أل حرف تعريف وسيبويه
واللام قطّ وكلّهم عليـــــــــــــــــــــــــــه
يقول فيه أنّ في أداة التعريف مذهبان أحدهما: أنها "أل " بجملتها وعلى هذا ابن مالك والثاني أنها اللام فقط والهمزة اجتلبت للابتداء بالساكن وفتحت على خلاف سائر همزات الوصل تخفيفا وعلى هذا مذهب سيبويه.
ومنها قوله:
ومنه ما في الاختصاص ينصب
تقدير أعني سيبويه يوجــــــــــــــــــــــــــــــــب
أي أن المفعول به ينصبه فعل واجب الإضمار في باب الاختصاص وقد قدره العلماء بألفاظ مختلفة مثل أخص وأقصد وقد قدّره السيبويه بأعني.

ومنها قوله:
كزنة العرش كذا وزن الجبل
نصّ عليه سيبويه في جمــــــــــــــل
ومنها قوله:
ما بئسما اشتروا مميّز
وسيبويه فاعل وميّزوا
يقصد به أن ما إذا اتصلت بنعم وبئس فالأكثرون على أنها نكرة موصوفة في موضع النصب على التمييز للفاعل المستكن ومنهم من قالوا بأنها فاعل.
ذكر السيوطي "الجمهور" في بعض المواضع يقصد به جمهور النحاة وقوله:
فغير ذي تصرّف ومنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
سوى لدى الجمهور واضممنه
يعني أن من الظروف غير المتصرفة "سوى" بضم السين وكسرها و"سواء" بفتح السين وكسرها وعدم تصرّفها بأن تلزم الظرفية وهذا مذهب سيبويه والجمهور.
وذكر البصرية بقوله :
لمطلق الجمع لدى البصرية
الواو لا ترتيب أو معيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
يعنى الواو عند البصرية هي لمطلق الجمع، أي الاجتماع في الفعل لا للترتيب والمعية وقد قال بعض النحاة أنها للترتيب كما قال بعضهم أنها للمعية فقط.

الشواهد في ألفيتي ابن مالك والسيوطي
 

عدّ النحاة القرآن الكريم مصدرا مهما للاستدلال النحوي وقد جوّزوا الاحتجاج به سواء كان متواترا أو آحادا أو شاذا. وقد اعتمد البصريون على القرآن العظيم في كثير من المسائ النحوية حيث استدلوا من آياته فكان القرآن أحد مصادرهم المهمّة، وأما الكوفيون فكانوا يهتمّون بالقراءات الشاذة مع أن الأخفش الأوسط سبق الكوفيين المتأخرين إلى التمسّك بالشاذات والاستدلال من كلام العرب.
فالاستشهاد بالقرآن الكريم عند النحاة يأتي في المرتبة الأولى، وقد بلغ مجموع الشواهد القرآنية التي استشهد بها ابن مالك في ألفيته خمس عشر آية وبلغ مجموع الشواهد القرآنية التي استشهد بها السيوطي في ألفيته عشرين آية لأن القرآن معجز من الجوانب منها اللغة وقد تحدّى بإتيان آية مثل ما في القرآن فلم يستطع لهم أن يأتي آية بل هزموا.
ومن جملة ما استشهده به ابن مالك في ألفيته قوله تعالى: "لا تعثوا في الأرض مفسيدين" حيث قال:
وعامل الحـــــــــال بها قد أكـــــــــــــــــــــــــــــــــــد
في نحو لا تعث في الأرض مفسدا
يقول أن عامل الحال قد يؤكد بها كما في قوله تعالى : "ولا تعثوا في الأرض مفسدين".
ومن جملة ما استشهده السيوطي في ألفيته قوله تعالي : "ليسجننّ وليكونا من الضاغرين" حيث قال :
وفي ليسجننّ والذي بدى
مركبا حالا وظرفا عـــــــددا
يعدّ فيه المصنّف المبنيات التى لزم بناءه على الفتح فمنها : المضارع الذي باشرته نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة وممّا باشرته نون التوكيد الثقيلة قوله تعالى ليسجنَنّ.
وكان الشعر العربي أيضا من جملة المصادراللغوية التي يستشهد بها النحاة وذلك حتى نهاية العصر الأموي، وقد اعتبروا إبراهيم هرمة آخر الشعراء الذي يحتج بهم، وقد نقل البغدادي في "خزانة الأدب" أن الكلام الذي يستشهد به نوعان : الشعر وغيره, والشعر قد قسمه العلماء على طبقات أربع، أولا: شعراء الجاهلية منهم امرئ القيس والأعشى وغيرهما، والثاني: المحضرمون منهم الحسان ولبيد وغيرهما، والثالث: المتقدمون أو الإسلامييون منهم جرير وفرزدق، والرابع : المولّدون أو المحدّثون منهم بشّار وأبي يونس.
و كان الاستشهاد بالنصوص الشعرية مقبولا عند كلّ من المدرستين البصريّة والكوفيّة إلا أن الكوفيين كانوا أكثر استدلالا من أشعار. وقد استشهد بالشعر صاحبا ألفيتين أيضا فمن جملة استشهاد ابن مالك شعر العرب : "كذا وطبت النفس يا قيس السري" لمجيئ "ال" زائدة في التمييز مضطرا فلا تفيد التعريف حيث قال :
ولاضطرار كبنات الأوبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
كذا وطبت النفس يا قيس السري
ومن جملة ما استشهده به السيوطي من الشعر :
إن أبـــــاها وأبـــا أبــــــــــــــــــــــــــــــــــاها
قد بلغا في المجد غايتاها

الخاتمة

من الحقائق الناصعة التي لا تقبل الجدال أن هذين الألفيتين قد نالتا قبولا واسعا في الأوساط العلمية شرقا وغربا، وقد كان لابن مالك والسيوطي أسلوبهما الرائع والأنيق في عرض مسائل النحو. وقد تناولا المسائل اللغوية والعناوين النحوية بالإيضاح والترتيب بدون أي تعقيد ولا إبهام.واستعمل ابن مالك والسيوطي الشواهد القرآنية الشعرية وأقوال العرب في أسلوب يساعد الفهم لأهل العلم، وقد كان معظم الأبواب موافقة بينهما مع وجود المخالفة في البعض.
 

المصادر والمراجع

شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي
هداية السالك إلى ترجمة ابن مالك لابن طولون
حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة للإمام السيوطي
كشف الظنون لحاجي خليفة
معجم المؤرخين المسلمين حتى القرن الثاني عشر الهحري ليسري عبد الغني عبد الله
ألفية ابن مالك بين ابن عقيل والخضري لزياد توفيق محمد
ألفيتا ابن مالك والسيوطي لأيمن جبر خميس
حاشية الخضري على شرح ابن عقيل لمحمد الخضري
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك لمحمد ابن عقيل
المدارس النحوية لشوقي ضيف