رواية "آدوجيفيتام" (أيام الماعز) ليست قصة خيالية بل صورة حياة واقعية ويقول "أن. رادها كرشنان"(N.Radhakrishnan) في مقدمة الرواية"أنه يخجل نفسي لأن أقطع قولي عن مكان هذا العمل في نظامه الشكلي وكماله الخيالي" ومن خير شاهد لقبولية هذه الرواية لدى قراء كيرالا وأهميتها بين أوساط القراء أنها تجاوزت المائة في طبعتها خلال مدة قصيرة من نشرها وخلال هذه المدة صدرت ترجمة إنجليزية لها أيضا وفوق كل هذا حازت هذه الرواية على جوائز عديدة كما أشير إليها في نبذة عن المؤلف وبكونها أحدث المنشورات يمكن لي أن أقول أن كل طالب أو طالبة بلغ مرحلة القرائة قد قرأها أو على الأقل سمع عنها وخلاصتها واسم هذه الرواية صار مضغة في أفواه أهالي كيرالا من قريب الزمان وقد بدأ البحاث أن يأخذوها الى موائد أبحاثهم لأغراض مختلفة وتجري حولها مناقشات عديدة لا في كيرالا فقط وخارج الولاية بل خارج الهند أيضا حتى حظر بعض الدول العربية توزيع ترجمتها العربية داخل بلدانهم وقد لاكت بها الألسن والأقلام في الدول الخليجية وكل هذه تشير الى أهمية الرواية وشعبيتها لدى القراء والبحاث والأدباء.
نبذة عن مؤلف الرواية
هو "بنيامين"(Benyamin) من مواليد 1971م بقرية نتور على مقربة من فاندالام وهو روائي وقصاص مشهور في الأدب المليالمي،المليالمية هي لغة ولاية كيرالا إحدى الولايات الجنوبية في بلاد الهند، ويعمل في مملكة البحرين من سنة 1992م ولقيت مقالاته وبنوده الضوء في دوريات ومنشورات مليالمية أحيانا.
وله أعمال قيّمة ما عدا روايته "آدوجيفيتام" (أيام الماعز) التي صدر لها حتى الآن مائة طبعة في لغتها الأصلية المليالمية ورشحت ترجمتها الإنجليزية " Goat Days" لجائزة Man Asian Literary Prize ضمن 14عملا أدبيا لكبار الكتاب أمثال "أورخان باموق"و"هيرومي كاواكامي" ولجوائز أخرى كثيرة داخل الهند وخارجها ووضع في المقرر الدراسي لعدد من الجامعات مثل جامعة كيرالا، وجامعة كالكوت، وجامعة بهارتيار وجامعة فونديجيري وأيضا هي بجانب المقرر الدراسي للصف العاشر في المدارس الحكومية بكيرالا .
حصدت رواية "أدوجيفيتام" على جوائز عديدة مثل جائزة "المجمع الأدبي لكيرالا" (Kerala Sahithya Academy)وجائزة شكتي بأبي ظبي وجائزة كى أى بكودنغلور وجائزة شباب الهند 2011 وجائزة برواسي بك ترست بدبي وغيرها .
ومن أعماله الأخرى: Abeesagin (اسم من الإنجيل القديم)–رواية-، Pravachakanmarude Randam Pustakam (الكتاب الثاني للأنبياء(–رواية- ،Akkapporinte Irupatu Nasrani Varshangal (عشرين سنة لمشاجرات نصرانية) – رواية-، Manja Veyil Maranangal (ألوان صفراء للموت) –رواية-،Mullappoo Niramulla Pakalukal (أنهر ذات ألوان الياسمين) –رواية-، Euthanasia (القتل الرحيم) -مجموعة القصص-، Penmarattam (جنس النساء) -مجموعة القصص، EMSum Penkuttiyum (إي أم أس والبنت)- مجموعة القصص-، Irunda Vanasthalikal (أماكن الغابة السوداء) ،Anubhavam, Ormma, Yaathra (خبرة، ذكريات ورحلة) ، Irattamukhamulla Nagaram (مدينة ذات وجهين).
نبذة عن مترجم الرواية
هو سهيل الوافي بن عبد الحكيم الفيضي العالم المشهور ومنسّق الكليات الإسلامية بكيرالا والمترجم هو من مواليد 1986م بقرية آدرشيري بمقاطعة ملابرم وأتمّ الثانوية بكلية مركز التربية الإسلامية بولانجيري بملابرم ثم التحق بكلية الوافي بنفس الحرم وحصل على شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية وكانت شهادته البكالورية في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة كالكوت ثم حصل على الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عليجرة الإسلامية ثم عمل محاضرا بكلية الوافي حيث درّس لمدة ثم غادر الى دوحة كمترجم ويعمل هناك حتى الآن ومن اللافت أنه بدأ ترجمة رواية "آدوجيفيتام" وأتمّها من قطر خلال أوقات فراغ عمله وهو شاب حيويّ في كل المجالات وأنا أيضا تعلّمت العلوم ومبادئ اللغة منه خلال دراستي بكلية الوافي وله قصص مترجمة منشورة في دوريات مليالمية عديدة.
الشخصيات البارزة في الرواية
يقلّ عدد الشخصيات في رواية "أيام الماعز" وأعطي هنا تفاصيل موجزة عن أبرز الشخصيات في الرواية.
نجيب: نجيب هو الراوي وبطل الرواية وهذه الرواية هي خبرة نجيب الواقعية التي يمكن أن تخيّل الى القراء كأنها خيالية ولكن في الحقيقة هذه خبرة مختلطة بدماء وعروق نجيب ونجيب هو شاب كيرالاوي كان يجد قوتا له ولأسرته من عمل استخراج الرمال من النهر ولكن هو أيضا كأي كيرالاوي بدأ أن يحلم بكونه "خليجيا" ونسج أحلاما حوله بعدما ناقش معه صديقه عن الفيزا (تأشيرة) الى الخليج وأخيرا يدفع الروبيات لهذه الفيزا ويتهيّأ للحياة الخليجية ويرافق معه عبد الحكيم أيضا الى الخليج ولكن بسوء الحظّ اختطفهما عربي (الذي يدعى بالأرباب في الرواية) وأخذهما الى مزارع الأغنام في وسط الصحراء وكان هذا عالم آخر كما يصف عنه بقوله "كأني انتقلت من الدنيا الى الآخرة. أبهذه السرعة..! لعلكم تسغتربون. "نعم" هذا هو جوابي لكم " وقد تغير كل نظام حياته الذي تعود عليه من قريته وكانت قائمة الطعام اليومي هي الكبوس والماء للفطور والكبوس والماء للغذاء والكبوس والماء للعشاء أيضا وهكذا كانت الأمور كلها وفوق كل هذا أن الأعمال التي وكّل إليه قصف ظهره والتمهّل في العمل أدى الى ضربات مدمية من الأرباب والى شتائم شديدة وبالخلاصة أن الأرباب ما كان ينظر إليه نظرة رحمة أو نظرة إنسانية أو نظرة حيوانية بل اعتبره كشيء آخر فوق كل هذا، حياة جهنّمية وصار إنسانا ماعزا بعد ما قضى أياما في مزرعة الأغنام في شكله وعاداته ونظام حياته كلها وهذا كما يقول "وها أنا اليوم استلقي هنا بعد أن قضيت يوما كاملا تحت الشمس الحارقة أسبح في عرقي..أمشي بين الأغنام حتى أتعفر وأحمل على جسدي نصيبا من بولها وروثها..وإبطاي وفخذاي متلاصقة بفعل العرق..وأنا أرتدي قميص الأرباب الرث إتماما للوساخة..أما حذائي المبتل بالعرق فلا أملك له وصفا " ويقول "أصبح جسمي ملجأ للحشرات فعلا..كانت القمل والبق والحشرات الأخرى ترعى في جسمي..أظن أن الأغنام ربما كانت أنظف مني بكثير " ويتابع قوله في مكان آخر "ولكني لم أكن حزينا ولا مكروبا..بل كنت على يقين من أن الله سيجازيني عن صبري الجزاء الأوفى في إبني وزينب في الوطن..أو كنت أحاول أن أقنع نفسي بذلك الاعتقاد. ولو لا هذا الاعتقاد فكيف كانت حالتي عندذاك...! " وبعدما واجه ما واجه وقضى ما قضى هرب هو وصديقه من مزرعتيهما مع إبراهيم القادري الصومالي الذي لحقهما في المزرعة أخيرا ويصل الى برّ الأمان.
عبد الحكيم: بعدما حصل نجيب على الفيزا من نسيب صديقه بـ"كرواتا" (اسم المكان) علم أن ولدا من "دهانواتشبورام" (هذا أيضا اسم المكان) أيضا قد حصل على فيزا العمل في نفس الشركة وبالنسبة لهما كان السفر خارج البلاد التجربة الأولى وكان هذا الولد هو عبد الحكيم كان عبد الحكيم ولدا أمردا نحيلا وهو من أسرة ثرية وأبوه يعمل في دبي ووعده بأخذه الى دبي أيضا للعمل في الشركة ولكن كان حظّه أيضا لمواجهة نفس تجارب نجيب وإنه أخذ الى مزرعة أخرى قريبة من مزرعة نجيب وكان أرباب عبد الحكيم أشدّ قسوة من أرباب نجيب وصورة عبد الحكيم تتضح بعد أيام المزرعة في قول نجيب حيث يقول "ولما اقترب مني الشبح أكثر، نظرت إليه بمجامع عيني..شبح رهيب آخر..إنسان مشوّه نحيل أسود ذو شعر طويل..هذا ليس بعبد الحكيم..لم يكن بهذه الهيئة..كان رشيقا شديد البياض فائق الحسن مفتول العضلات بشكل يليق بعمره.. " ولكن كان الشبه الرهيب هو عبد الحكيم حتى صعب نجيب لفهمه وتمييزه وهذه كانت حياته في المزرعة وأخيرا بعدما واجه ما واجه في سفرهم مع إبراهيم القادري تاهوا في الصحراء لأيام حتى تورّت أقدامهم وصاروا عاطشين وجائعين ولكن القدر منعهم الشرب والأكل حتى مات عبد الحكيم من شدة الجوع والعطش بعدما أكل رمال الصحراء وتقيّء إثره ووارت الرمال جثته في الصحراء.
الأرباب الأول: بعدما نزل نجيب وعبد الحكيم بمطار خليجي انتظرا الأرباب (ربّ العمل) الذي سيأخذهم الى مكان العمل كما وعدهما به صاحب الفيزا من ممباي ولكن بعدما طال الانتظار اقترب منهما رجل وأخذهما الى عربته وهذا الرجل صار أربابهما الأول الذي قادهما الى عذاب جهنّم ويصف نجيب عن هذا الأرباب "ولكن رائحة أربابي كانت نتنة عفنة..نتانة لا توصف..!وكذلك ثيابه أيضا متوسخة رثة تنبعث منه رائحة كريهة فوق حد التعبير في حين يلبس العرب الآخرون ثيابا مكوية ناصعة البياض " وأخيرا أوصلهما هذا الأرباب الى أرباب ثاني في وسط الصحراء في مزارع الأغنام وبعد هذه الرحلة من المطار رآه نجيب مرّة أو مرات قليلة فقط في الحياة الماعزية.
الأرباب الثاني: هذا الأرباب كان موكلا بمزرعة نجيب ونجيب يصف عنه "كأنه شخص من أشخاص الحكايات العربية القديمة وكان ثوبه ورائحته أسوأ من الأرباب الأول " وكان أشد الناس قسوة الى نجيب وهو يوضّح هذا "لأن من ورائي أرباب شرس ذو عينين ثاقبتين وهو أخوف عندي من الجمال التي تؤذي الإنسان ".
إبراهيم القادري: هو صومالي الجنسية جاء الى مزرعة عبد الحكيم مؤخرا وكان شجرة سميكة نبتت وترعرعت في صحارى أفريقيا وكان في الخليج من قبل ويعرف جميع الأماكن والطرق ويريد الهروب أيضا ورحّب عبد الحكيم ونجيب أيضا وأخيرا في يوم زفاف بنت أحد الأرباب ذهب أرباب نجيب وأرباب عبد الحكيم أيضا وهرب الجميع مع إبراهيم القادري القائد لهما في الصحرء وكان عارف بكل ما يتعلّق بالصحراء وكان حقا ملَكا أرسله الله إليهما لإنقاذهما من تلك الجهنم وكان إبراهيم القادري يفصّل عن كل ما رأووا في رحلتهم الصحراوية وأعطاهما ثقة بأنفسهما كما يقول مرة "لا تجزعا..أبصارنا لا تبلغ أبعد من ميلين ونصف ميل..ربما يكون وراءها الطريق الذي نلتمسه..فلا تهنا ولا تستكينا بل امشيا في كل رجاء. واذا تمكنت منا فكرة أننا تعبنا، سرعان ما نسقط على الأرض حتى نقضي بقية النهار عرضة لنيران الشمس..فلا بد من مواصلة السير كيفما استطعنا..فدعونا نبذل قصارى جهودنا حتى نصل الى مكان آمن بأقرب وقت ممكن " وكان حقا مرشدا ودليلا خبيرا ولكنه اختفى من الرواية في النهاية بدون إبقاء أي أثر أو علم عنه وذلك بعدما مات عبد الحكيم هو (إبراهيم القادري) حمل نجيب على كتفه وسار أميالا حتى وصل الى مكان مخضرّ توجد فيه بحيرة وثمار ومن هناك أيضا سارا حتى وصلا على مقربه من الشارع أو الطريق تسير عليه السيارات والشاحنات ولكن بعدما وصلا هنا اختفى إبراهيم القادري وطلب عنه نجيب كثيرا ولكن بدون جدوى.
وهؤلاء هم الشخصيات البارزة في الرواية الذين لهم دور ملموس فيها وهناك أيضا شخصيات ذات دور قليل مثل زينب هي زوجة نجيب وتظهر في بداية الرواية وهي زوجة مثالية تدعم نجيب في رحلته الى الخليج ولكنها تذكّره بأنهما لا يريدان ثروة هائلة بل القدر يكفيهم لعيش معتدل والشخصية الأخرى هو عبد الحميد الذي رافق نجيب بعدما سلم من الحياة الجهنمية ووصل الى برّ الأمان ومطعم "كنجيكا" وراحا معا الى قبضة الشرطي لتسهيل أمورهما للترحيل الى الوطن وصديق نجيب من "كرواتي" هو أيضا شخصية ظهرت في بداية الرواية هو الذي وعد لنجيب بالفيزا الى الخليج عن طريق نسيبه وكان هناك في الرواية شخص بدون اسم يحمل وصفا فقط "الشبه الرهيب" الذي كان مع نجيب في المزرعة وكان ماهرا في الأعمال وقد قام بتدريب نجيب بعدة أعمال مثل حلب العنزة وغيره ولكن يوما اختفى من المزرعة وأخيرا وجد نجيب آثاره في حفرة في الصحراء ولكن لم يوضّح عنه كثيرا بعدها.
أهم مباحث ومضامين الرواية
رواية "آدوجيفيتام" رواية لازم أن تأخذ الى مائدة البحث جدّيا بسبب الموضوعات التي تعالجها وبأساليب جديدة اخترعها الروائي كما يقول "أن راداكرشنان" في دراسته عن الرواية في مقدمة الكتاب "كل قرائة لهذه الرواية يقودنا الى أبعاد مختلفة وهذا يشير الى أن هناك في الرواية مخافي ومخابئ عديدة للاختراع".
وهنا أقدّم أهمّ المباحث والمضامين في الرواية بقدر موجز لإلقاء الضوء إلى زبدة وعمق الرواية.
الحنين الى الوطن
الحنين الى الوطن هو من إحدى الموضاعت التي تحتوي عليها الرواية والراوي نجيب مع صديقه عبد الحكيم يصل الى وسط الصحراء الى مزرعة الأغنام وهذا يخيّل إليه كأنه وصل الى الآخرة من الدنيا ولا يوجد في المزعة أحد ما عدا هو نفسه وأربابه وقطيع الأغنام ويقول نجيب عندما رأى سائق شاحنة وصل الى المزرعة بالأغراض "ثالث إنسان أراه عن قرب بعد زمن طويل " والإنسان حينما ينفرد ويواجه الوحدة يحنّ الى أهله ووطنه وهو بكونه حيوانا اجتماعيا من المستحيل له أن يعيش منفردا ووحيدا لزمن طويل وهنا في الرواية تتدفق ذكريات الوطن الى قلب نجيب كألم وطعنة في داخله ويقول نجيب "فوجئت بنفسي لحظتها أحنّ الى وطني بلا دوافع مباشرة. نهضت كل المشاعر الهاجعة في ردهات النفس تنفجر كالبركان. وتاقت نفسي توقا ملحّا الى الهروب الى وطني حتى أرى أمي وزوجتي زينب وابني نبيل...والتقي بأصدقائي وأتمشى في قريتي وفي طرقاتها الترابية..أشاهد نهرها وماءها ومطرها وأرضها...في تلك اللحظات أحسست فعلا بما يقال الحنين الى الوطن " هذه ذكريات تجيئ الى القلب صدفة يستحيل كل واحد من تخلصها والحنين الى الوطن هو عاطفة تجيئ من الداخل بدون أي إنذار وهذه العاطفة تجعل الإنسان لمغادرة كل ما لديه ولترك كل تسهيلاته وللحصول على الجرأة للتخلّص من كل المكايد والسجون مهما كانت قوية جدرانه وجوانبه وهذه العاطفة تفتعل معه عند هروبه من المزرعة الى برّ الأمان مع الصومالي وعبد الحكيم ويقول لأغنامه التي أحبّهم ووجد الأنسة بهم حتى صار إنسانا ماعزا "إني راحل يا حلوة..خليني أروح..ولك رجال كثيرون مثل "أرو راوتر" و"موري واسو"..وليس لي إلا زينب..وليس لها إلا أنا..أنا مشتاق إليها..وهي أيضا تشتاق إليّ " ونفس العاطفة هي التي يشاطر نجيب مع عبد الحكيم "يا أخي..اشتاق الى أمي..أشتاق الى أبي..اشتاق الى أختي شاهنة..يا أخي..لقد بلغ السيل الزبى ولم تعد بي قدرة على تحمل المزيد " وهذه الكلمات هي إنذار إنسان للعالم أجمع عن مدى تحمّل الإنسان الغربة والوحدة واذا ألحّ الإنسان لتجاوزه يصير مجنونا أو شيئا غير إنسان وهذه طبيعة إنسانية وهذا ما يقول الشاعر العباسي أبو تمام:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبــــدا لأول منزل
وكما يقال يعرف الإنسان قيمة عينه عند فقدانه، يعرف الإنسان أهمية وطنه وذويه عند الغربة والوحدة ويقرّه نجيب أيضا حيث يعترف به "عندما فتحت عيني شعرت بحلقي يتمزق من شدة العطش..لكن أين الماء..!!يا الله، ما أكثر الماء الذي أسرفت في استعماله حين كنت في بلادي..ها أنا ذا الآن أتوسل لقطرة ماء..عرفت اللحظة فقط قيمة وطني وثروته..أهذا عقابك يا ربي على إسرافي في تلك الأيام..؟غفرانك يا الله..!وقد علمتني اليوم قيمة الماء ".
مشاكل خليجية
قد نزح الهنود من قديم الزمان خصوصا بعد اختراع النفط الى الدول الخليجية خصوصا أبناء كيرالا ولا أبالغ إذا قلت أنه يكون خليجي واحد أو اثنان في كل بيت من بيوت منطقة ملابار وأكثر من مليون ونصف نسمة يشتغل في الدول الخليجية من كيرالا فقط والأغلب يجمع الأموال أو يتسلّفها للحصول على الفيزا ويطير الى الخليج وهذا يصبح حلم أغلب من بلغ ثمانية عشر من أعمارهم أو من ضايق بمتاعب ومشاكل وأعباء الحياة وتكون أحلامهم كما حلم بها نجيب في الرواية "ساعة ذهبية..ثلاجة..تلفزيون..سيارة..مكيف..سلسال ذهبي ثقيل.. " وكل واحد يرحل الى الخليج بعدما ذاق مرارة الفراق في الداخل مع أنه مشتاق الى كونه خليجيا ويقول نجيب عن فراقه "أما أنا فقطعت النظر عن أمي وزينب الباكيتين، لأني كرهت أن أبكى أمام الناس..كان القلق أبرز من الفرح في تلك الرحلة..أقلقتني متاعب السفر..والخوف على المبلغ الذي في الشنطة..والهلع من المدينة التي سننزل بها..ومن خيانة الوكلاء التي سمعت عنها قصصا كثيرة.. " وهكذا يدخل "الخليجي" الى حياة أحلامه وأمانيه ويتحمّل كل شيء ويستعدّ لمواجهة كل المتاعب والمكاره وينقاد أمامها كلها كمسكين أو عبد والأرباب أمامه يكون ربّه وإلهه وينقاد له كل الانقياد وهذا ما يشير إليه قول الراوي بعدما سافر في صندوق عربة أربابه بدون نوم وبكل مشقة ومضرة "فلك كل الحق يا أرباب أن تغضب كيفما تشاء..ونحن المقصّرون لأننا نمنا ولم نستيقظ حتى بعد وقوف العربة. " والحياة الخليجية تجبر الأغلب لترك كل الملذات والنعم ورائهم والحياة الخليجية لهم حياة صعبة لازم أن يعيشوها في الحياة وأما حياة نجيب ليست حياة فرد واحد وهناك حياة مماثلة للآلاف حتى عندي خبرة مؤلمة لأحد جيراني قد واجه في حياته الخليجية فوق ما يستطيع لإنسان أن يتخيّل وعاد من الخليج نحيلا بعدما سافر بدينا والأمثال كثيرة والحياة الخليجية قد خلّفت الضيعات والذكريات المؤلمة المكروهة لمئات من العائلات وهذه الرواية هي تصوير حقيقي والحق كما يقول مترجم الرواية في غلاف الكتاب "ولأ أجد بدا من الانتباه هنا الى ان هذه الرواية مثل أي رواية من نسج الخيال ولكنها تمثل الحقيقة في قليل أو كثير واذا خيّل الى أحد أنها تمثل الحقيقة فليس إلا أنها واقع في إطار معرفته واذا خيّل الى آخر ان هذا الا بهتان عظيم فليس الا أنها غير واقع في إطار معرفته" ونجيب حتى صار ممنوعا من استعمال الماء للاستنجاء ومحروما من الاستحمام وما الى ذلك من الممنوعات والحرمانات فوق ما نتخيّل بها وينبّهنا نجيب مع الإنذار عن أحلامنا ويقول "إنما أقول لكم إنه لا ينبغي أن تحلموا ولو عبثا بالأشياء البعيدة عنكم أو الأمور التي لا علم لكم بها..وأنذركم بأن تلك الأحلام إن تحققت يوما في حياتكم ستكون أرهب مما تطيقون النظر الى وجهها" . ولكن الخليجي يخبأ كل المشاكل والمصائب والصعوبات في طبقات ذكرياته ولا يبيح به أحدا من أسرته وذويه ويتمثل أمامهم كممثّل ممتاز وسطور نجيب في رسالته التي كتبها الى زوجته مرّة بعد أيام جهنمية تبيح بهذا السرّ المكنون في حياة الخليجي حيث يكتب:"وصلت هنا بالسلامة ولم أقدر حتى أن أكتب لك رسالة بسبب كثرة الشغل وأعرف جيدا انك هناك قلقة علي..لا تقلقي..حبيبك هنا على ما يرام..اشتغل هنا في شركة تنتج الصوف والحليب والشغل سهل وغير مرهق..الماكينة تقوم بكل شيء وانما أنا أشرف على الشركة وأربابي معجب بي وبعملي..وهو يهدي لي الهدايا من حين الى آخر..وسكننا هنا في غرفة واسعة جدا..جميلة المنظر..يمكن لي أن أرى جميع المناطق المجاورة وأنا مستلق على ظهري في سريري..وأما الطعام فيقدم لي الأرباب ألوانا من الأطعمة التي ما طعمتها الى اليوم...... ".
الاعتقاد بقدر الله وقضائه
هذه الرواية خير شاهد لأهمية الاعتقاد بقدر وقضاء الله وخير دليل يدلّنا عن وثوق المؤمن القوي بالقدر والقضاء أنهما من عند الله تعالى والرواية على أن سردها يتعلق بالجزيرة العربية هي تضع علامات إسلامية وآثار دينية من ألفها الى يائها حتى في نهاية الرواية يقول "كنجيكا" لنجيب عندما بكا بكاء شديدا خلال محادثاته مع زوجته بالهاتف "يا نجيب، إنك صبرت على كل شيء حتى اليوم..وكل شيء بيد الله الذي ليس لنا حق إلا أن نستسلم لقضائه وقدره " وعلى طول الرواية نشاهد أشكال الأدعية المختلفة لله وإشارات وكلمات عن القدر والقضاء وأهميتهما في الحياة الإنسانية "يا الله..ربي الرؤوف الرحيم" (104)، "فرصة أتاحها لك ربك الرحيم لينقذك من هنا..." (ص:109)،"وتلك مشيئة الله"(ص:110)، "ومن ذا الذي يقدر على تصحيح أقداره؟!"(ص:115)، "لك الحمد كله يا الله..ولك المجد كله..وأنت أرحم الراحمين..!"(ص:148)،"يا الله، ليس لنا أحد سواك..ولا حول ولا قوة لنا إلا بك..ولا نستهدي إلا بهديك..لا يحمينا ولا يرعانا إلا أنت..فلا تشو أجسامنا بنار الصحراء" (ص:166)،"هتف رافعا يده الى السماء..الله أكبر!الماء!الماء....الله أكبر!.."(ص:179) وهناك أمثلة كثيرة تشير الى هذا الجانب وتوضّح الآثار الدينية الإسلامية والرواية متأصلة على عقائد دينية.
وهذه هي أهمّ المضامين والمباحث تعالجها هذه الرواية ولكن هناك أمور وموضوعات عديدة أخرى تلقي الرواية الضوء إليها مثلا الراوي يؤكّد أحيانا أن اللغة هي فقط وسيلة للاتصال وللتفاهم ولا شيئ فوقها كما يقول "وعلى أي حال، ما تعني الكلمة؟ المهم التفاهم..فهمت بهذه الكلمات ما قال لي الأرباب، وفهم بها ما قلت له..هذا كل ما أريده من مهارة اللغة" "نعم، قد نفهم كل شيء بوضوح مهما كانت اللغة غريبة أجنبية" "فإن تجرباتي قد أثبتت لي أكثر من مرة أن المخاطب قد يفهم أية لغة إن كان في حاجة الى فهم الخبر، وبالعكس، اذا كان المتكلم في حاجة الى إفهام المخاطب الخبر فقد لا يفهم شيئا في أية لغة من اللغات".
وأيضا يصوّر الكاتب التمييز بين الجنسيات على لسان الأرباب حيث يرى الأرباب الهنود كمنبوذين أو هامشيين كما يقول "يا حمار..!مخ مافي..هندي..هده أبيض" ويصوّر أيضا بعض الأخلاق السيئة الدخيلة في الإنسان وذلك حينما وعد عبد الحكيم لنجيب بأمر هروبهم من المزرعة ولكن لم يتسنّ لعبد الحكيم أن يرتّب الأمور ويباحثها مع نجيب في أيام متتالية فغضب نجيب ويقول "كرهت كلا من إبراهيم القادري وعبد الحكيم..خادعان لم يفيا بعهدهما..بقيت على تلك الكراهية على مدى يومين............تبين لي أنه لا ينقذني من هنا القادري ولا بودري (كلمة محرفة للسخرية).." ومرة أخرى يقول "لعنت عبد الحكيم الذي يرقص على أنغام ذلك الكذاب الأفريقي إبراهيم القادري" وهكذا الإنسان وطبيعته أن المخالفة اليسيرة لإرادته وقراره تغيّر صورته وتسيئ أخلاقه الحسنة.
المصادر والمراجع
1) بنيامين. آدوجيفيتام. ترشور: غرين بكس, 2013.
2) —. أيام الماعز (ترجمة عربية). كويت: مكتبة آفاق, 2015.
3) دائرة المعارف الإسلامية (المليالمية). كالكوت: دار النشر الإسلامي, د.ت.
4) دليل الكتاب المليالمية (1981-1985). تريشور: المجمع الآدابي بكيرالا, 1990.
5) دليل الكتاب المليالمية (1986-1990). تريشور: المجمع الآدابي بكيرالا, 1993.
6) دليل الكتب المليالمية (1991-1995). تريشور: المجمع الآدابي بكيرالا, 1997.
7) دليل الكتب المليالمية (Malayalm Book Index) (1976-1980). تريشور: المجمع الآدابي بكيرالا, 1989.
8) منغات, عبد الرحمن). "الأعمال المترجمة من العربية (المقالة المليالمية." الاتحاد.: 7-11.د.ت