القصة القصيرة فن جديد في الأدب العربي جاءت مع اختلاطتها بالثقافة الأوروبية وبنتيجة التطور الاجتماعي والسياسي والفكري والعلمي، وانتشرت الصحف والمجلات العربية ونشرت القصة والمقالات في المجلات مثل "الأزمنة العربية" ومجلة "زهرة الخليج " ومجلة " أخبار دبي " ومجلة " الإتحاد " والصحائف العربية أيضا . وأقبل الناس على قرائتها وتعليمها . ظهرت القصة القصيرة في الإمارات في أوائل قرن السبعينات من حيث قدم عدد قليل من الكتاب بأعمالهم القصصية كعبد الله صقر قريش(محمد إبراهيم حور- مدخل لدراسة القصة القصيرة الإماراتية –شؤون أدبية العدد الأول 1986-1987) الذي أصدر مجموعة من القصص باسم " الخشبة " في دبي سنة 1974 وقصة " قلوب لاترحم " ورائدة القصة القصيرة الإماراتي شيخة مبارك يوسف الناخي وقصتها الأولى " الرحيل " سنة 1993 ومريم الفرج بقصتها " فيروز(بهاء الدين محمد مزيد – أدب النسائي – إمارات العربية المتحدة) " وأسماء زرعوني وليلي أحمد وأمينة عبد الله وغيرهم . أنهم حركوا أقلامهم في القصة القصيرة بأنواع مختلفة ومتنوعة .
تطور القصة القصيرة في دولة الإمارات
تطورت القصة في الإمارات في قرن الستينات ونضجت القصة معلى أيدي الكتاب والقاصين والأدباء كما قال عبد الحميد أحمد إن القصة ظهرت في قرن السبعينات وتطورت في قرن التسعينات بحيث توجد أربع مراحل في نهضة القصة وتطورها:
مرحلة البداية ( 1968-1971 )
هذه المرحلة تعتبر ظهور القصة برئاسة عبد الله صقر قريش وبقصته "قلوب لا ترحم" ونشرها نادي نصر الرياضي. وهو أول من خطا خطوة في مجال القصة والقصة القصيرة وجاء معه عدد قليل من الكتاب بمحاولاتهم القصصية كمريم جمعة فرج أمينة عبد الله وغيرهم.
مرحلة الاستمرار (1972-1975 )
استمرت كتابة القصة على أيدي مجموعة من الشباب مثل علي عبيد ومظفر حاج مظفر ومحمد على مري وعبد الحميد علي وراشد عبد الله ومحمد غياش وغيرهم. إنهم عالجوا موضوعات عديدة في تلك الفترة. كمال ناول علي عبيد موضوع الطمع في قصته " الجزاء" وموضوع الحب في قصة " الجحيم " لمظفر حاج مظفر وموضوع حياة البؤس واليأس وعابر السبيل في قصة محمد مري وكذا أسست مطبعة ومجلات عربية في الدول الإماراتية.
مرحلة الضمور الثقافي (1975-1979 )
في هذه الفترة لم يسجل كثير من الكتب القصصية ولكن قدم القصاصون الذين استفادوا من الثقافات الغربية مثل علي عبد العزيز وعالجوا الموضوعات الاجتماعية كفقر والحرمان والعمالة وصيد الأسماك. واتبعه الناس في موضوعاته وأقبل الناس إقبالا حسنا، ونشر إسماعيل شعبان وعبد القادر أحمد مجموعة من قصصهم في جريدة أخبار دبي والأهلي، وكلهم يبينون عن الحضارة والثقافة الإماراتية.
مرحلة الانطلاق والتجريب (1979......... )
تطور في هذه المرحلة الشكل الفني والأحوال الاجتماعية والثقافية من حيث ظهور المجلات العربية في الدول الإماراتية كأزمنة العربية ومجلة دبي ومجلة اتحاد، واتجهت أنظار الكتّاب إلى صبغة المعاني بألوان متنوعة. وصدرت مجموعة من القصص الجديدة منها:
- الخروج على وشم القبيلة لمحمد حسن الحربي
- السباحة في عيني خليج يتوحش لعبد الحميد أحمد
- ذلك الزمان لعبد الرضا السجواني
- زلة العذري لعبد الرضا السجواني
- حب من النوع الآخر والفرصة الآخيرة لمحمد المر
- الخيمة والمهرجان والوطن لليلي أحمد
- الاعتراف والسيف والزهرة لعلى أبو الريش
ازدهرت في هذه المرحلة حركة التعليم والصحافة العربية إضافة إلى تطور الحركة التجارية والاقتصادية واطلاع على الآداب الغربية والأدب القصصي الغربي حيث أن القصة القصيرة عالجت موضوعات عديدة كعمالة الأجنبية. إن القصة الإماراتية عالجت موضوع العمالة الأجنبية كما ورد في قصة محمد مر "يأتى الموت وتأتى الحياة" وقصة "إعلان في الجريدة ". هذه العمالة الوافدة تعاني الفقر والاغتراب والحرمان. ويقول عبد الحميد أحمد في قصته " اتهاد .. كليج .. بيان " عن الفقر والجوع في كل زاوية من زوايا الإماراتي بالعمالة وقصة "دموع على الرصيف" لعلي عبد العزيز الشرهان يتناول فيها عن قضايا المجتمع في المجالات الاقتصادية والسياسية وكذا موضوع زواج الأجنبيات المنتشر في الدول الإماراتية وهذا يرى في قصة "خيوط من الوهم" لشيخة مبارك يوسف الناخي . هذه القصة تشير إلى العادات الاجتماعية في ذلك العصر.
الشخية يوسف مبارك الناخي تعالج قضايا مختلفة في تلك الفترة التي جرى كيثر من الأمور في مجموعة من قصصها "الرحيل" و"خلجات من النفوس الحائرة" و"رياح الشمال". وهي تقول إن التغيرات الاجتماعية متأثرة في الدول الإماراتية ولاسيما في الشارقة وسايرت أقلام الكتاب على صبغة الألوان الاجتماعية معكسة من صبغة ألوان الترجمة والتقليد من القدماء . إن قصة "الرحيل" صورت قضية حياة فتاة اسمها "علياء " وفتى مسمي " سعيد " وكانت علياء ابنة غنية وكان سعيد فقيرا، ولكنهما وقعت في عمق العشق والغزام لأن المال ليس عندهم شأن عظيم. وقصتها "هواجيس" تبين عن ضيق الإماراتي بالمعطيات الحضارية الجديدة التى أدت إلى ازدحام الشوراع بالوافدين من ذوي الوجوه المتعددة وهم يتكلمون لغة عربية مكسرة . وبالجملة إن القصة القصيرة الإماراتية تعالج قضايا مختلفة وموضوعات متعددة.
لمحة عن سيرة شيخة مبارك يوسف الناخي
ولدت شيخة الناخى بمدينة الشارقة سنة 1952 في أسرة علم وأدب، وكان والدها مبارك الناخى شاعرا مشهورا وأديبا ماهرا في الشارقة يكتب الشعر في اللغة الفصحي واستقبل من الناس استقبالا حسنا من جمهورية الشارقة ودرست مبادئ العملية من أبيها وأسرتها والتحقت بالمدرسة الابتدائية في مدينتها وانتقلت إلى جامعة الإمارات العربية وحصلت منها بكالوريوس في آداب سنة 1985 ونالت شهادة الدبلوم من هذه الجامعة سنة 1987 ثم انغمست في عمل دراسة في مدرسة الغيبية بشارقة . حصلت شيخة الناخي الكثير من الجوائز والتكريمات، منها جائزة الشيخ خليفة بن زايد للمعلم 1997، وجائزة الشارقة للتميّز التربوي، إضافة إلى تكريم اتحاد كتاب الإمارات لها. وهي الآن صارت من رائدات الأديبات في الإمارات وساهمت مساهمة فعالة في تطور القصة الإماراتية وقصتها "الرحيل" تعتبر أول قصة إماراتية وألفت قصصا عديدة منها "رياح في الشمال" و "العزف على أوتار الفرح" و"خلجات في نفوس حائرة" ومقالة واحدة باسم "لن نغادرنا".
موضوعات تعالج في قصص شيخة الناخي
تعالج شيخة الناخي موضوعات شتى في قصصها المعروفة ولا سيما القضايا الاجتماعية كزواج من المسنين وزواج من الأغنياء والأجنبيات والعمالة من الاجنبية الوافدة والنزعة المادية وغيرها. وهي تقول في مجموعة القصص "الرحيل" عن قصة حب رومانسية عنيفة من طراز خاص، وتطرح من خلالها موضوع الزواج من الأغنياء، وغلاء المهور، من خلال مأساة (علياء) التي تفتح قلبها منذ صغرها على حب بريء لابن جيرانها (سعيد) دون أن تتكلم معه، وكذلك كان هو، يمنّي نفسه بخطبتها. وامتدادا لظاهرة الاضطهاد الاجتماعي للمرأة، يرفض والدها طلب سعيد للزواج من ابنته بحجة فقره، فهو يريد لها زوجاً ثرياً، وباءت المحاولات كلها بالإخفاق، بل طرد من البيت، ولهذا قرر الرحيل تاركاً رسالة صغيرة تخبر الجميع بسفره. وفي قصتها "رحلة الضياع" تطرح شيخة الناخي موضوعا يتعلق بالسلطة الأبوية الجائرة وتبين لنا سلبيات الزواج من كبار السَن. أحداث القصة تدور حول فتاة توفيت والدتها حديثا، فتزوج أبوها من أخرى كانت قاسية جافية، حولت حياة الصغيرة إلى جحيم ملتهب، الأب لم يستمع لشكواها، بل أجبرها على الزواج من رجل مريض مسنّ، وكانت ليلة الزفاف مريرة أليمة تتوالى الأحداث سريعا، وتزداد نوبات مرض الزوج الذي كان يعاملها بقسوة شديدة، تصل أحيانا إلى حدَ الضرب، ومن ثم الطلاق التعسفي. حملت حقيبتها وعادت من حيث أتت. هذه القصة تتميز بقصة برصانة وتماسك الجمل القصصية.
أما موضوع الزواج من أجنبيات فقد ألمحت إليها الكاتبة إلماحا من خلال نقدها لعادة تسمية الزواج منذ الصغر في قصتها "خيوط من الوهم" التي تتحدث عن فتاة كانت منذ نعومة أظفارها تسمع أنها ستكون زوجة لابن عمها (علي) وشغل هذا الأمر حيزا كبيرا من حياتها وتفكيرها، ونسجت حوله أحلامها. لكنه في نهاية الأحداث يغادر إلى الخارج دون أن يلقي عليها التحية، وحينها تدرك الفتاة أنها كانت تعيش وهماً نسجته العادات الاجتماعية البالية. وتوضح شيخة في قصصها غلاء المهور وزواج ذي هدف مادي وصرع الأشقاء الارث وتأثرت في قلبها النزعة المادية والحياة الاجتماعية .
وفي قصتي "رياح الشمال" و"إعصار" قد طرحت الكاتبة مأساة الحروب العربية، وما جلبته على الإنسان العربي من ضياع وخراب وتمزق وتعصب. وكأنها تبعث رسالة تنبه من خلالها إلى أن مثل هذه الخلافات بين الأخوة تنطوي على أخطار كبيرة تهدد مستقبل الأجيال الجديدة.
وكانت قصصها تتميز برصانة وتماسك الجمل القصصية، كما تقوم على عنصر المقابلة في سلوك الشخصيات، وشكلت القصة بمجملها ورقة إدانة في وجه التقاليد البالية التي تحط من قدر المرأة وتربط مصيرها بمعطيات اجتماعية تخالف القوانين والشرائع على حد سواء. وبالجملة أن قصص شيخة مبارك الناخى مرتبطة بالقضايا الاجتماعية والحياة اليومية التى يقاسي الناس في أيامهم وحياتهم.
المصادر والمراجع
الدكتور الرشيد أبو شعير- مدخل إلى القصة القصيرة الاماراتية –اتحاد كتاب وأدباء الإمارات
شيخة مبارك يوسف الناخى – خلجات في نفوس الحائرة – المجموعة القصصية الكاملة – اتحاد الكتاب والادباء الإمارات الشارقة
خليل السواحري – صورة المرأة في القصة القصيرة في الإمارات – اتحاد الكتاب وأدباء الإمارات – 1989
الدكتور زينب بيره جكلي - القصة القصيرة عند شيخة الناخى رائدة القصة الإماراتية
بدر عبد الملك – القصة القصيرة وصوت النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة
شيخة مبارك الناخى – الرحيل – مجموعة من القصص – اتحاد الكتاب وأدباء الامارات 1993
عبد الحميد أحمد – توصيفات عامة حول القصة والرواية في دولة الامارات –اتحاد الكتاب وأدباء الامارات -1989