وقد كان من الصعب احصاء الأعمال الأدبية التي تناولت حروبا ومعارك بدقة، غيراننا نعترف أن هذا النوع من الأدب يساهم مساهمة بارزة في تطوير ميدان الأدب من أقدم العصور. وفي العصر الحديث افرد بعض الروائين بالحرب في رواياتهم. وعندما نبحث في أقدم نصوص الأدب العالمي نرى أن الحروب القومية والإقليمية لعبت دورا مباشرا في سرد الروايات الأدبية في تلك الفترة . ومن ابرزها الملحمتان الإغريقيتان " الإلياذة والأوديسا " لشاعر يوناني " هوميرس "، التي تعبّر عن عدد من الحروب التي وقعت في تلك الفترة. عرف الأدب العالمي منذ وقتٍ مبكر تناول الحروب كموضوع رئيسيٍ له، وكان الحديث عن الحرب مرتبطًا طوال الوقت بحكاية العديد من تفاصيلها، بل وأفرد بعض الروائيين للحروب الكبرى العالمية عددًا من رواياتهم، فعرفنا الروايات الخالدة على مدار التاريخ الذي يوثق للحروب مثلما فعل"تولستوي" في روايته الشهيرة "الحرب والسلام" التي تناول فيها الحروب التي خاضتها روسيا في القرن التاسع عشر.
امتد أثر الحرب العالمية إلى الدول العربية، ثم إلى الادب العربي وكانت بعض الروايات العربية قد تناولتها وأشارت إلى بعض تفاصيلها، مثلما نجد عند الروائي السوري حنا مينا في "الشراع والعاصفة" وإبراهيم عبد المجيد في "لا أحد ينام في الإسكندرية". وهي رواية توثق في اطار درامي العلاقات المتشابكة للمجموعات المختلفة من سكان مدينة الإسكندرية خلال فترة الحرب العالمية الثانية.
فمنذ عام 1948 بدأت حرب فلسطين. ومع الاحتلال الصهيوني أصبح الاحتلال والمقاومة موضوعًا أساسيًا معتمدًا في الأدب العربي عامةً والأدب الفلسطيني بشكلٍ خاص، فبدأ الأدباء في تصوير الحال الفلسطيني الداخلي وأثر الحرب على المجتمع ومقاومة الفلسطيني. وفي مقدمة هؤلاء الأدباء "غسان كنفاني"، وكانت روايته "رجال في الشمس" من أكثر الروايات تصويرًا للواقع العربي والتعامل مع القضية الفلسطينية. كما كتب الروائي الفلسطيني الكبير إبراهيم نصر الله "الملهاة الفلسطينية" وإلياس خوري"باب الشمس" والأديب الجزائري الكبير واسيني الأعرج روايته المتميزة "سوناتا لأشباح القدس" التي تحكي مأساة فنانة فلسطينية شابة تضطر لترك أرضها وترحل.
ومن أهم الحروب العربية في تلك المنطقة كانت حرب أكتوبر 1973، هي حرب شنتها كل من مصر وسوريا على الاسرائيل سنة 1973 لاستيلاء على المنطقة التي استولى عليه الاسرائيل في حرب التي وقعت 1967. وهذه الحرب تناولها عدد من الروايات في مصر، من هذه الأعمال رواية "الرفاعي" لجمال الغيطاني التي تناولت حياة أحد أبطال حرب أكتوبر. وما كتبه "محمد حسين يونس" في تجربة الأسر المريرة عام 1967 في روايته "خطوات على الأرض المحبوسة" إذ صوّرت المجتمع المصري في وقت الحرب بشكلٍ بالغ وواقعي وموجز في الوقت نفسه.
اما العراق فلم تكن أحسن حالاً من جارتها الكويت، بل إن أهلها ذاقوا من ويلات الحرب قبل احتلال الكويت وبعده، لا سيما بعد إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب من خلال عمليات عسكرية كبرى في العراق وأفغانستان وغيرها، من هنا جاءت الروايات التي تؤرخ لتلك الحروب كما فعل سنان أنطون في روايته "فهرس لا تنتهي" كما كتب الروائي السوري فواز حداد روايته "جنود الله" التي يتناول فيها تحولات الشباب العربي للذهاب لما يفترضون أنه جهاد في سببيل الله.
الحروب الأهلية
والحرب الأهلية هي حرب داخلية بين الفصائل المنظمة داخل البلد، وهي أشد الحروب ضراوة، وقد تكون الحكومة فصيلا مشاركا في الحرب الأهلية، وقد تكون أهداف الحرب الأهلية هي الحصول على السلطة على بلد أو إقليم، أو تحرير منطقة، أو أحداث تغيير في السياسيات الحكومية. عادة ما تكون مكثفة لغاية تستمر لفترة طويلة تسبب كثيرا من الأضرار والإصابات وإلى هجرة الأهل والمال وإلى تجرع آلامها وعسرها إلى زمن كثير.
دخلت الحرب الاهلية إلى الأدب العربي عبر البوابة اللبنانية. اليوم قد سلك كثير من الأدباء السوريين والعراقيين إلى التعبير عن الحرب الأهلية وعن الهجرة واللجوء.
الحروب الأهلية اللبنانية
والحرب الأهلية اللبنانية هي حرب داخلية طاحنة تعتبر من أبرز الحروب الأهلية التي نشبت في القرن العشرين واستمرّت 15 عاما (1975-1990). وفي تاريخ دولة لبنان أن الحروب الأهلية قد ظهرت بكلّ مخالبها وشدّتها، وأهل اللبنان عاشوا تحت وطأتها الشديدة سنوات، وبلغت خسائرها نحو 150 ألف قتيل وإلى هجرة كثير من المواطنين.
لم تنشب الحرب الأهلية اللبنانية فجأة وانما سبقتها أسباب متصلة بموقع لبنان الإقليمي من عوامل اقتصادية واجتماعية ناتجة عن انتشار الفقر وعوامل سياسية عوامل خارجية أيضا.
واستمرت هذه الحرب بأيادي من المسيحيين والشيعيين والسنيين والدروز والإسرائيليين ومنظمة التحرير الفلسطينية ومجموعة من حركات القوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والجيش السوري وأطراف أخري متفرقة.
وقد جادت قريحة الأدباء والكتّاب بخفايا هذه الحرب من الناحية الاجتماعية والسياسية. والأعمال الادبية التي تناولت موضوع الحرب الأهلية اللبنانية كثيرة من قبل الكًتاب اللبنانيين وغير اللبنانيين. وفيما يلي اشارة إلى أبرز الأعمال الروائية التي تناولت موضوع الحرب الأهلية اللبنانية للكتاب اللبنانيين .
هدى بركات
ومن أبرز الأدباء الذين تناولوا هذا الموضوع الأديبة الحيّة اللبنانية هدى بركات، ولدت سنة 1952م وفازت هدى بركات "الجائزة العالمية للرواية العربية " ( البوكر العربية 2019) عن روايتها "بريد الليل" وهي تعمل الآن بمحطّة إذاعة راديو في اللغة العربية في بارس. وهي بنت لبنان عاشت فيها متجرّعة الشدائد والنكبات وآلام الحروب التي ألمّت بلبنان. وتنبعث في سطورها وكلماتها بل في حياتها ظلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأشعالها النيرة التي لا تزال تشتعل في أعمالها كما في قلبها، وهدى بركات تقتبس أبطال رواياتها ومضامينها من تربة الأرض اللبناني، ورسمت في صفحاتها مختلف الألوان الحربية التي عاشتها ولاقت مشقاتها، ومن رواياتها:
حجر الضحك: وصفت الكاتبة في هذه الرواية الحرب التي مرت بها لبنان في التسعينات من القرن الماضي، أدت الرواية باحترافية وشرحت ما مرت به لبنان من صعاب ومعه الشعب اللبناني في سياق روائي رائع، حتى نحن نعرف ما هي الحروب الأهلية من خلال هذه الرواية الجميلة. نالت هذه الرواية على جائزة "الناقد".
حارث المياه: وهذه الرواية التي تعرض فيها الكاتبة حال الشعب اللبناني اثناء الحرب، وتحكي قصة ابن تاجر للأقمشة في بيروت بعد الحرب الأهلية اللبنانية ومأساته التي اصيب إثر الحروب الأهلية. وتعتمد هذه الرواية على وصف هول الحروب الأهلية. وتحكي أوهام البطل عندما يسير في الدروب المحطمة وخرائب الشوارع الممتلئة بالكلاب. ونالت هذه الرواية على وسام نجيب المحفوظ للأدب في 2001م.
ملكوت هذه الأرض: تحكي الرواية مسيرة ثلاثة أجيال من حياة عائلة من إحدى الطوائف المسيحية في قرية بشرى بجبل لبنان منذ بدايات القرن العشرين، ويتعرف القارئ على سكانها وطبائعهم وتاريخهم وأرضهم وقديسيهم وأشجار الأرز التي يعتزون بها. تجري أحداثها قبيل إعلان الاستقلال في أوائل الأربعينات، وتصل إلى حدود الحرب الأهلية في بداية السبعينات. وتتجلّى فيها التحوّلات التى عصفت بالمكان وسكّانه وحوّلت أحلامهم إلى خيبات متتالية تنتهي على تخوم الحرب الأهلية. لعلّ ذلك يترجم جزءا من سيرة الروائية التي عاشت في المكان نفسه، علاوة على هذا أن الروائية نفسها قد واجهت الاضطرام الحربي وكافحت للحياة السليمة التي أبعدتها الحرب الأهلية عن بلادها.
اهل الهوى: هذه الرواية تحكي قصة شخص مصاب بمرض عقلي خلال الحرب الأهلية اللبنانية. والرواية تعرض الأحداث بنفس واحد متتابع من أولها حتى نهايته.
وقد نالت هدي بركات حظا طيبا في مجال الترجمة فنقلت أعمالها إلى عديد من اللغات مثل الانجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية ونالت رتبة فارسة في الأدب والفنون من فرنسا.
ربيع جابر
هو روائي وصحفي وأديب لبناني، ولد في بيروت عام 1972. وهو أول روائي لبناني حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر اللغة العربية عن روايته "دروز بلغراد" 2012 م وله عدة روايات يسرد فيها الحروب الأهلية. ومن بينها:
دروز بلغراد: هي رواية تاريخية لربيع جابر تحكي قصة حنا يعقوب وهو رجل مسيحي من بيروت، وهي حادثة واقعية التي نفي فيها 550 درزوا إلى البلغراد وطرابلس في القرن التاسع عشر. وحازت على جائزة بوكر باللغة العربية سنة 2012م.
طيور الهوليدي أن: يروي الكاتب في هذه الرواية حكاية حي الأشرفية، أحد أحياء مدينة بيروت في ظل الحرب الأهلية اللبنانية ما بين سنتي 1975-1976 وهي الفترة التي شهدت عمليات قتل وتهجير بواسعة النطاق.
إلياس خوري
هو روائي وناقد ومسرحي لبناني، ولد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1948. شارك في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 1975واصيب بجروح خطيرة. وكتب كثيرا من الروايات التي تحكي عن الحرب الاهلية اللبنانية . منها الجبل الصغير، وباب الشمس، والوجوه البيضاء ويالو.
الجبل الصغير: تتألف من خمس قصص، تتناول حكايات متباينات تربط بينها مشاهد انفجار الحرب الاهلية وتأثيراتها في الشخوص والأماكن.
باب االشمس: يسرد فيها الياس خوري مسيرة أناس يحلمون بالحياة ويحلمون بالوطن بعواعق الحروب الأهلية. وهي حكايات اللاجئين من فلسطين وما مروا من صراعات وأزمات ومشكلات .
سينالكول: هذه الرواية لإلياس خوري صدرت عام 2012 وفيها تصوير واقعي للمجتمع اللبناني بفئاته المختلفة التي يمثل كل واحد من ابطال الرواية واحدة منها، ويعكس من خلالها أثر الحرب الأهلية على المجتمع وما تركته فيهم حتى اليوم.
إيميلي نصر الله
وهي اديبة لبنانية ولدت سنة 1931 وماتت سنة 2018 ونشأت في لبنان، ونشرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية. ومن أهم مؤلفاتها "تلك الذكريات" التي سردت فيها موقف الإنسان الذي يهدف المستقبل بين مأسات مخيفة وتبين الرواية عمق المأسات وبعد المصير بين سردها.
سليم البطي
أديب وكاتب لبناني ولد في بيروت عام1987. وهاجر إلى لندن إثر الحرب الأهلية. صدرت له في بيروت رواية "لن أغادر منزلي" ورواية "فونوغراف" وساهم في حملات توعية عديدة.
نازك سابا يارد
هي روائية وأكادمية فلسطينية لبنانية، ولدت في القدس 1928م ودخلت إلى لبنان سنة1949م ولها العديد من المؤلفات في مجال النقد الأدبي إلى جانب بعض الروايات وأدب الأطفال. ورايتها " الذكريات الملغاة" الصادرة سنة 1998 م تركز على الجانب الاجتماعي للبنانيين والآثار النفسية التي خلفتها الحرب الأهلية . تتحدث هذه الرواية عن عائلة لبنانية تعيش ظروفا مادية صعبة.