جمهورية الهند الاتحادية دولة ديموقراطية علمانية تم تقسيمها إلى تسع وعشرين ولاية على مدار لغة وثقافة واقتصاد. وهي من أكبر دولة على مستوى العالم تحافظ على التنوع من حيث الديانة واللغة والثقافة ونمط الحياة، يسكنها أمم مختلفة ومنهم الهندوسيون والنصارى واليهود والبارسيون والجاينيون والمسلمون والملحدون... ازدهرت ببقعتها الثقافة المشاهدة اليوم جراء احتكاك وأخذ وعطاء منذ أمد بعيد سيما باختلاط ثقافات الآريان والدرفيدية والجاينية والبوذية والعرب والنصارى واليهود. ومن جانب اللغة يبلغ عددها المعترف به كما تسلط الضوء إليه التقارير الرسمية المنشورة عام 2011م إلى الثاني والعشرين فضلا عن لغات غير رسمية وغير مستخدمة إلا للتكلم فقط مثل لغة "تولو" (Tulu) التي تُرى بين سدود ولاية كرناتكا وكيرلا. اعتمادا على الدراسة عن اللغات الهندية التى أجراها مركز بحوث اللغة والنشر عام 2010م يبلغ عدد اللغات الهندية إلى نحو 780 لغة ومنها ما يكاد يموت من أجل وفاة أهل تلك اللغة وعدم محاولة أبنائهم على الحفاظ عليها ومنها لغة "جايمل"(Chaimal) في ولاية تريبورا (Tripura). تقول الدراسة لا توجد على وجه الأرض من يتكلم هذه اللغة إلا أربعة أو خمسة أشخاص كلغة "ماجحي" (Majhi) في إحدى وادي ولاية سيكيم (Sikkim).
تعتبر الهند اليوم أكبر دولة متقدمة اقتصاديا ويرجى وصلوها إلى الدرجة الأولى بين دول نامية خلال أعوام قلية لأنها تطبق أنشطة مقبولة وناجحة بشراك جماعي خاصة في ميدان التنمية. التنمية تعني بها رفاهية الإنسان والبيئة والاقتصاد اليوم وغدا متكاملة ومستندة إلى حقوق الإنسان.
نماذج هندية للعدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي:
كل عضو في المجتمع محترم يقام له وزن كبير فلا يعالجه ويعامله في طريقة ثانية نظرا إلى جنسيته أو عنصره أوزيه أو لغته أو لونه أو نوعه... أما الفوارق التي بَنَتْها البشرية أو تلازمت عليها لا بد من علاجها في إطار مناسب. ومن بين تلك الفوارق التي تقوم معوقة أمام التقدم الاجتماعي عدم المساواة بين الأفراد باسم الجنس أو النوع. البنت، وهي فريسة هذا التمييز في معظم الأوقات وفي معظم المجتمعات بمنع جميع الحقوق أو بعضها فلا حق لهنّ في العمل والتكسب وتملك الأراضي والعقاقير ومصارف البنك يُظطهدن ويُمزّق أعراضهنّ ويُضربن فهي كأداة أو ألعوبة في أيادي الرجال يلعبون بها كما يشاؤون!. انطلاقا من هنا، تنبت فكرة تشكيل خطط لإنهاء عملية التمييز وخلق التفاهم بين النساء والرجال. يبدو لي أن أول خطة ينبغي أن نتخذها هي ترويج التثقيف الجنسي من المرحلة الابتدائية بمساعدة صور ملائمة لا تتجاوز الحدود لترسيخ التفاهم بين الجنسين. ومن خلال هذا الدرس يقوم معلم المادة بتشجيع الطلبة على احترام مشترك ويحاول لإبعاد توهم واجد بينهم عن الجنس الآخر. فالمرحلة الابتدائية لا أريد بها المدرسة أو الحضانة فقط بل المنزل وكل وحدة صغيرة، فالسعي لإيجاد بيئة جيدة في أدنى الطبقة يؤدي إلى جودة تبلور الأولاد وتنشئة جيل واعد صحي يواظب على تكريم البعضِ البعضَ الآخرَ ويحقق المساواة في صورتها الكاملة وهذا الاتجاه قد رأى نجاحا كبيرا في ولاية كيرلا الهندية حيث تعيش فيها 33.3 مليون نسمة مشتملة على مختلف الثقافات. ومن أروع مثال في تحقيق المساواة بين الجنسين مشهد من جامعة جواهرلال نهرو بنيودلهي حيث يسكن ويتلقى العلوم فيها الطلبة من شتى أنحاء العالم والذين يلتزمون بلغات وثقافات متنوعة وتتمتع الطالبات في حرمها الواسع حرية كاملة حتى يمشين منتصف الليل وحيدة فلا يضرها أحد ولو بلمح البصر. والسبب المهم لهذه الحالة تشكيل جمعية تتكون من الطلبة والمعلمين للتوعية بالجنسين ومكافحة التحرش الجنسي. والخطة الأخرى لاكتفاء النساء الذاتي وأخذهنّ إلى جادة المجتمع نحو مشروع "غُرّة الأسرة" (Kudumbashree). فهذا مشروع جماعي نسائي يهدف تقوية النساء واستئصال الفقر والعثور على المعيشة وتملك مصارف البنوك وأصبح اليوم من أكبر حركة النساء من مختلف ميادين الثقافة في قارة آسيا حيث العضوية قد بلغ إلى إحدى وأربعمائة آلاف امرأة. تعمل هذه الحركة الحيوية بهدف التنمية الاقتصادية المحلية والتنمية الاجتماعية وتقوية النساء منذ عام 1998م. تحقيقا التنمية الاقتصادية المحلية تم تنفيذ مشروع الزراعة الجماعية وMahila Kisan Sashakthikaran Pariyojana (هو مشروع لتعميق تبصرة المرأة بالزراعة وتوفير فرص حصول الرزق عن طريق معتمدة على الزراعة المستدامة والبيئة الصداقية). طبقا للإحصائيات الجديدة تمت الزراعة في أراضي تمتد إلى 40218 الهكتار من خلال العام الاقتصادي 2013-2014م بمشاركة 47611 مجموعة. ومنها توفير فرصة للمشاريع الصغيرة تجعلها تكسب المال وفرصة القدوم إلى حقل التجارة والأعمال مع حل مشاكل الحجم (scale) والقدرة والسوق والقبولية في صورة فردية وجماعية باتخاذ استراتيجيات وبرامج تساعد استهلاك الموارد ومعالجة القضايا الناشئة في شكل نهائي. ومشروع "تيليما" لإدارة النفيات الصلبة في المدن، وإلى جانب تأكيد تزويد الأغذية لتجنب سوء التغذية هناك مشروع amurtham”" للإمدادات الغذائية للأطفال الذين يتراوح عمرهم بين ستة شهور إلى ثلاث سنوات ويتم تطبيق ذلك من خلال ثلاث وثلاثين آلاف روضة أطفال بالولاية ومشروع IT & ITS الذي يحاول تحيقيق الإلمام بتكنولجيا المعلومات ومشروع البيئة الطازجة لتوفير حلب غير مستخدم المواد الحافظة ومشروع تسوق وبيع البضائع المنتجة في مشاريع غرة الأسرة. وإلى جانب تحقيق التنمية الاجتماعية يُنفّذ مشروع التأمل (Asraya) لتعيين المعوزين والمضطرين وكشف وتسديد حاجاتهم عبارة عن تشخيض المرض والعلاج وتوفير مستهلات تربوية وتعليمية ومنح الأرض لمن لا بيت له وتوفير الماء الصالح للشرب وتنمية المهارات وقد تم تنفيذ هذا المشرع في 890 قرية و32 مدينة في ولاية كيرلا.
ومن أعجب ما يرى في الهند دائما الأخوية بين الناس في حالة الحاجة فيتشابكون بالأيادي ويساعدون من الرأس إلى القدم وتتعاون في تلك الحالات المؤسسات الدينية ومنظمات العمال واتحاد التجار وجمعيات الطلبة وتتم الأعمال الإغاثية الجماعية والتي تؤكد التعايش السلمي الصحي بجمع المساهمات من مساجد وهياكل وكنائس وأحزاب سياسية ويعطونها إما إلى صندوق الحكومة (هناك صنادق خاصة في كل منطقة ومقاطعة وولاية ومركز لهذا الغرض) أو ينفقون على المتأهلين مباشرة كما تشترك فيها الأشخاص فرديا. ويجدر لي إلى جانب هذا ذكر أنشطة حزب رابطة المسلمين الهندية المنشودة في بناء البيوت لمن لا بيت له بغير النظر إلى العقيدة والدين والطائفة والنوع. وهذا المشروع المسمى بـ"بيت الرحمة" لإنشاء البيوت في 800 مربع قدم مع توفير المرافق والتسهيلات المحتاجة إليها ويمول عليه العمال والطلبة وصياد الأسماك وسائقوا الحافلات والهندسيون والنصارى والمسلمون ومن في مختلف حقول الحياة لجعل هذا العمل الإغاثي الاجتماعي من الإمكان.
بالنسبة إلى القضاء على الفقر، من الأفضل تطبيق خطة دقيقة منظمة ذات تركيز على الأفراد لإيجاد منفعة مشاريع إلى أدنى الطبقة وتحديد الفقراء في صورة تسد الفجوات وتلافي العثرات. فالفقر نسبي بالنسبة إلى الأفراد والأمكنة يختلف حسب تمايل سعر الحياة وتغير مكان يعيش فيه مثلا أن امرأ يسكن في مدينة نيودلهي يفتقر إلى مبلغ باهظ لقضاء يوم واحد حين يحتاج امرئ يمكث في مدينة كاليكوت الهندية يفتقر إلى نصفه أو ربعه وهذا الفرق موجود بين المدن على مستوى دولي ففي نيودلهي يحتاج المرء إلى 32.07 روبية هندية (0.60$US ) لقضاء يوم واحد حين تحتاج الأسرة النيورية المتكونة من أربعة نفر إلى 88,600 $ US.. فنعتمد في تعيين الفقر والعوز على مسألة محكمة ونقسم دخل عامل في أسرة على من لا كسب له ان كان ممن ينفق على من يجب الإنفاق عليه. والأمر الثاني، نشكل صندوقا عاما يستثمر فيه أغنياء البلاد المنتمون إلى لغات وثقافات وطوائف وعناصر وميادين شتى في صورة ضريبة أو غيرها إجباريا مبلغا معينا وتطوعيا وفقا لدخلهم ويُعطى منه الفقراء حتى يسد حاجته ويغني عنها. نوزع المال على الفقراء بعد تعيين مواهبهم الشخصية مثلا ان كان الفقير سائق حافلة نشتري له سيارة يسوقها ويكسب منها وان كان صيادا نشترى له قاربا وآلات الصيد ونغنيه حتى لا يأخذ من الصندوق مرة ثانية بل نجعله يعطي في السنة التالية. الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الهندية حاليا بسحب نقود 500 و1000 روبية هندية وتغريم معاملة النقود بمبلغها الكامل ان كان فوق 350000 روبية هندية ممّا قلّل مستوى الفقر في الهند حيث غابت النقود السوداء من السوق وانخفض ولايزال ينخفض أسعار اللازمات اليومية والأراضي وأدوات البناء. ولعلّ ذلك يؤدي إلى ورود ضرائب من الأشخاص والشركات التجارية المغيبّة حتى اليوم ليجعل الاقتصاد الهندي قويا في أيام مقبلة.
حماية كوكب الأرض: ومن تحديات هامة يواجهها المجتمع الدولي عدم حماية كوكب الأرض واستغلال المواد الطبيعية اللانهائي والفشل في الحفاظ عليها للجيل القادم مع أنها هي الكوكب الوحيد ــ بالرغم أن العلوم يحاول كشف كوكب آخرــــ يمكن أن يعيش الإنسان فيه. فلما لا نفكر عن هلاك هذه المواد التى لا يمكن أن نعيدها؟! كما حذّر القرآن عنه " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين". إذا جفت الضروع وهلكت المصادر فالحياة على وجه الأرض مستحيل استحالة ولوج الجمل في سم الخياط. فإن كان الأمر هكذا لا بد على الإنسان بذل جهود مضنية للتصدي بشكل عادل تغير المناخ ومنع فقدان التنوع البيولوجي ومنع التصحر والسعي لحماية الأراضي وصيانة الغابات والجبال والحفاظ على الأنهر والبحار والغلاف الجوي. رغم ذلك، يلزم على كل واحد أن يعتني اعتناء خاصا بأنشطة تقود إلى تقلل أكسيجون وتلوث المياه وإزالة الغابات وتقلص المزارع وتثقب طبقة أزون وزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري وأن يرسخ الفهم بأن كسبه وشهيته اللاحدودية وهي السبب الرئيسي في هلاك كوكب الأرض كما أشار إليه القرآن الشريف "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس". تحت هذا العنوان أريد معالجة حركتين هامتين في الهند شُكّلتا لحماية البيئة واللتين أتتا بنتائج إيجابية. وهي حركة آبيكو (Appiko Movement) وحركة جيبكو (Chipko) أما حركة آبيكو حركة ثورية تقوم بالحفاظ على البيئة منذ عام 1983م من خلال أنشطة شتى. بدأت هذه الحركة مسيرتها بعناق الرجال والنساء والأطفال في منطقة سالكاني (Salkani) تحت رئاسة باندورانغا هيدج أشجار غابة كالاسو (Kalase) لتوعية الناس عن أهمية الغابات وحمايتها. ويتم اليوم عقد عدة أنشطة توعوية في قرى جنوب الهند تحت هذه الحركة مثل السير بالقدم داخل الغابة وعرض الشرائح والرقصات الشعبية الفوكلورية برفع ثلاثة أشعار وهي: المكابدة لإنقاذ الغابات الاستوائية المتبقية في الطرق الجبالية الغربية، وثانيا: بذل الجهود في استعادة الخضرية في مواقع ضائعة ثالثا: السعي إلى نشر فكرة استخدام الموارد عقلانيا لتخفيف الضغط على الغابة. أما الحركة الأخرى تولدت مستوحية الروح من حركة آبيكو وهي حركة جيبكو(Chipko) التي تعمل في مناطق أوتاراكاند لحماية غابات في محافظة جارهوال جبال الهيمالايا (وهي منطقة غربية في شمال الهند). وأمكنت لهذه الحركة من حث القرويين خاصة والناس عامة على القيام بإدارة المياه والحفاظ على الطاقة والتشجير وإعادة التدوير فقط بل على تشجيع الباحثين على دراسة قضايا بيئية تتعلق بتدهور البيئة وطرق الحفاظ على جبال الهيمالايا.
أخيرا، والذي ينبغى علينا أن نفهم دائما أنّ معنى التقدم ليس بارتفاع المباني المُزيَّنة إلى فضاء السماء والحصول على مراتب باهظة ولبس أثواب متلونة حريرية بدلا من تنمية تمس الإنسان والبيئة. فالحملة المكثفة لتوعية العامة والخاصة عن التنمية وعناصرها والحث على الرجوع إلى تزود المعلومات القديمة والأخذ بالجديد واستخدامهما معا في شكل مقنع من خلال أنشطة ثقافية متنوعة مثل الرقصات الفوكلورية والمسرحية والغناء والوثائق مُرحَّب ترحيبا حارا. وكذلك نحضّ على استغلال مصادر الطاقة المتجددة في شكل تدوم تلك المصادر يعني بالرغم أنها مواد متجددة لا نستغل بحيث تؤثر ولادتها المعادة وتحديد استخدام مصادر غير متجددة. من اللازم أن يكون مجلس التشريع ومجلس التنفيذ ومجلس التخطيط والحكومة شاملة بانتداب ممثلي الطوائف اللغوية والثقافية والمجموعات العنصرية وأهل الديانة المختلفة والنساء لئلا تكون خطط التنمية طائفة التركيز. ولا بد أن يكون على مستوى دولي في هذا الصدد بعقد حملات مكثفة لتغيير مجموعة عقول الناس من خلال التوعية وذلك في الطرق القديمة والجديدة بتوزيع الأوراق والنشرات وعقد المجالس والورشات وإذاعة البرامج الخاصة عبر القنوات والمواقع الاجتماعية علما بأن عقول الناس وأفكارهم تجاه أشياء تجلب بالتغيير وتأسيس مؤسسات تعاون في وصول العدل إلى أدنى الطبقة وأعلاها وتعليم الأطفال والمراهقين والنساء إجباريا وتوفير الفرص لذلك في جو آمنة وتنشئة مؤسسات خاصة للرقاب على وصول العلم إلى كل طفل ولمنع عمالة الأطفال على الأقل حتى يبلغوا من عمرهم خمس وعشرة عاما مع تأكيد تزويدهم بالقيم العالية والوعي التام عن اهتمام التنمية ومع استدعاء انتباههم إلى خطورة احترام الناس وحقوقهم وتقليل استعمال المياه وتشجيع استخدام الأدوات البديلة مثل الأوراق في التنظيف والعمليات الممكنة أو استخدامهما معا كي يقلل استخدام المياه وجمع الفضلات والنفيات من مصادرها بأرخص السبل المتاحة وتنفيذ إدارة النفيات وتحويل النفيات ــــ مما أمكن ـــ إلى نواتج أخرى غير ضارة للبيئة والإنسان وإعادة استعمالها والحث على الاجتناب عن استخدام الكيميائية الضارة للبدن خاصة في الفواكه والأرز والشعير والتي تسبب في الأمراض القاتلة مثل السرطان ومنعها قانونيا حتما وتأكيد منظمات ومؤسسات ثقافية ودينية ولغوية في جميع ما ذكر لإيصال الرسالة إلى جميع جوانب والاستفادة من أفضل النتائج.