Thursday , 21 November 2024 KTM College
Literature

شعر المكافحة في الربيع العربي: العشماوي أنموذجا

12-November-2018
أبو أيمن

والأدب، بدون تفرقة بين اللغات والحضارات، يلتقط صورها وموضوعها مما يجري حول الأديب من التحولات الاجتماعية والانقلابات السياسية، وإن التجربة الإنسانية في الفقر والجدب وفي المعارك والحرب قدمت أروع أنواع الأدب إلى أيدي الناس، وهذا النوع من الأدب له دوره الملحوظ في الحياة الإنسانية، لأن هذه القطعات الأدبية تُستخدم كمصدر تاريخي يمكن اللجوء إليها للباحثين والأكادميين. وهذه الحقيقة تكون أكثر جليا حينما نلقي النظر إلى الأشعار والروايات التي كتبت في صفحات الحرب والمعارك. مثلا، فتربة فلسطين، هي أثرى تراب وأحزن مصادر للشعر والرواية في اللغة العربية، إذ يكابد الأديب العربي أوجاعها وأحزانها، ويقدم من هذا المنبع، المليء بالحزن والألم، أروع الآداب إلى القراء.
ومن هذا المنطلق، وهذه الورقة تسلط الضوء على ما قدمتْ ثوراتُ الربيع العربي من الشعر الرصين المليء بالصور الاجتماعية والسياسية. والورقة تأخذ الشاعر عبد الرحمن صالح العشماوي كنموذج، لأنه كتب الكمّ الكبير مكافحا الأوضاع السياسية السائدة في السنوات الماضية، ومدافعا عن أمته وأبناء عقيدته في أسلوب شعري رشيق.
الشاعر عبد الرحمن صالح العشماوي
هو الشاعر السعودي، عبد الرحمن بن صالح العشماوي الغامدي الذي ينتسب إلى قبيلة غامد التي تقطن منطقة الباحة، في جنوب السعودية. ولد العشماوي في العام 1955م، بمنطقة الباحة، في قرية تسمى عراء، وتدرج العشماوي في وظائف التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى أصبح أستاذاً مساعداً للنقد الحديث في كلية اللغة العربية في هذه الجامعة. وعمل محاضراً في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي حتى تقاعد قبل سنوات..
كتب أشعاره ومقالاته في الربيع العربي وفي البوسنة والشيشان ولبنان وأطفال الحجارة وغير ذلك. وله مقالاته الدائمة في الصحف السعودية ومشاركات في الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية داخل المملكة وخارجها، وهكذا له إسهاماته الإعلامية من خلال البرامج الإذاعية والتلفازية، وقد قدّم ثلاث برامج إذاعية ناجحة من خلال إذاعة البرنامج العام، وإذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، وهي فيض الخاطر، وقراءة فيها من كتاب ’من ذاكرة التاريخ‘. وأعدّ وقدّم من خلال التلفاز السعودي برنامج ’آفاق ثقافية‘ وشارك بشكل متواصل في برنامج ’المجلة الإسلامية‘ الذي كان يقدّمه الدكتور عبد القادر طاش من تلفاز القناة الأوليفي المملكة العربية السعودية.
مؤلّفات الشاعر عبد الرحمن صالح العشماوي:
يُعدّ الشاعر عبد الرحمن العشماوي من أكثر الشعراء غزارة في الإنتاج الشعري، فقد أصدر ديوانه الأول إلى أمتي في العام 1400ه، ثم توالت إصداراته الشعرية حتى بلغت 23 ديوانا شعريا حتى العام 1428ه، فإذا أضفنا إليها إصداراته النثرية البالغة اثنتي عشر إصدارا، تبيّن لنا حجم الوفرة الغزيرة في إنتاجه قياسا بعمره الزمني وعمره الإبداعي .
أما مؤلفاته الشعرية وهي، ديوان إلى أمتي ط1، (2002م)، وديوان صراع مع النفس ط2 (2002م)، وديوان بائعة الريحان ط3 (2002م)، وديوان مأساة التاريخ ط2 (2002م)، وديوان نقوش على واجهة القرن الخامس عشر، ط2، (2002م)، وديوان إلى حواء، ط3، (2005م)، وديوان عندما يعزف الرصاص، ط2، (2002م)، وديوان شموخ في زمن الانكسار، ط1، (2002م)، وديوان يا أمّة الإسلام (2002م)، وديوان مشاهد من يوم القيامة، ط2، (2003م)، وديوان عندما يئن العفاف، ط1، (2003م)، وديوان القدس أنت، ط1، (2003م)، وديوان كلّا، ط1، (2004م)، وديوان خارطة المدى، ط1، (2004م)، وديوان حوار فوق شراع الزمن، ط1، (2003م)، وديوان حليمة الصوت والصدى، ط1، (2005م)، ورسائل شعرية، ط1، (2005م)، وديوان هي أمي، ط1، (2007م)، وقصائد إلى لبنان، ط2، (2002م)، وديوان مراكب ذكرياتي، ط3، (2005م)، وديوان يا ساكنة القلب، ط2، (2005م)، وديوان جولة في عربات الحزن، ط2، (2005م)، وديوان عناقيد الضياء، ط2، (2003م)
الربيع العربي:
الثورات العربية، أو الربيع العربي أو ثورات الربيع العربي في الإعلام، هي حركة احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010م ومطلع 2011م، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية، ولا زالت هذه الحركة مستمرة حتى هذه اللحظة. نجحت الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة حتى الآن، فبعدَ الثورة التونسية نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل معمر القذافي وإسقاط نظامه، فالثورة اليمنية التي أجبرت علي عبد الله صالح على التنحي، وأما الحركات الاحتجاجية فقد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي، وكانت أكبرها هي حركة الاحتجاجات في سوريا. تميزت هذه الثورات بظهور هُتاف عربيّ أصبح شهيرًا في كل الدول العربية وهو "الشعب يريد إسقاط النظام ".
أدب المكافحة في شعر العشماوي.
يقف الشاعر الإسلامي الفذ الدكتور عبدالرحمن العشماوي في طليعة الشعراء الذين شهدوا سياسة العالم الإسلامية والعربية، وسجلوها في قصائدهم، فلكونه معاصرا لكثير من التحولات السياسية -لاسيما الربيع العربي- في العالم العربي، استطاع النظر إليها والعثور على أسبابها، والتحقيق على سلبياتها وإيجابياتها. رغبة منه في قضايا العرب عامة والمسلمين خاصة. وليس مما يخفي، أن العالم الإسلامي الراهن لم يكن هادئا مستقرا بعد واقعة سبتمبر2011 م. فاستخدم الشعر فنا ليتناول كل هذه الأمراض السياسية في المجتمع العربي والإسلامي.
ومن الشعر المشهور الذي كتبه في سياسة العالم الجديد وهو أشعاره مثل: الرسالة الثانية إلى أوباما، وتونس الخضراء، وإلى ظالم الشام وظالم اليمن، وكذا نجد قلمه مشغولا في الموضوعات التي لها علاقة شديدة بالأوضاع السياسية العالمية.
ومع أنه من أبناء المملكة العربية السعودية، لم نجده كمعظم الشعراء السعوديين، يتراجعون عما ينبغي للشعراء معالجته مثل القضية السياسية والاجتماعية، على العكس تماما يعالج ويتداخل مع الأوضاع السياسية التي يشهدها العالم العربي والإسلامي.
ونستطيع الفهم من أقواله، أنه يلاحظ كل حركة من الحركات السياسية في العالم الإسلامي الحالي، وذلك حيث يقول تمهيدا لشعره الرسالة الثانية إلى أوباما: "كانت رسالتي الشعرية الأولى إلى أوباما بعد أن ألقى خطابه الأول في جامعة القاهرة في السنة الأولى من رئاسته، وكان في ضيافة الرئيس المصري المخلوع حليف أمريكا وما يسمى بدولة إسرائيل وكان مطلع تلك القصيدة: قلت السلام فهل جلبت سلاما لعراقنا والقدس يا أوباما
ويستمر الشاعر قائلا:
كم من عمالقة عظام أسرفوا في وهمهم فتحوّلوا أقزاما
"أما هذه القصيدة فهي رد على خطابه الاستعراضي الأخير المشحون بالأباطيل السياسية التي تصبّ في مصلحة أمريكا ودولة الإرهاب اليهودي في فلسطين وقد ادّعى فيها التعاطف مع الشعوب العربية التي ثارت ضد الظلم والطغيان.."
الآن تسمع صرخة الأيتام وترى مدامع مصرنا والشام
الآن تبصر ليبيا وجراحها ورئيسها المسكون بالإجرام
الآن تشعر بالشعوب وما جرى من ظلمها في سالف الأعوام
أو لم تزر مصر الجريحة حينما كانت مكبلة بشر نظام
ألقيت فيها خطبة فضفاضة ما كان فيها غير زيف كلام
أو لم تعانق حينذاك رئيسها وتعده من أفضل الحكام
وهكذا نجد الشاعر يفحّص الأحوال السياسية التي توجد في تربة تونس بعد أن أخلع حاكمه الجائر زين العابدين بن علي ويصور منذ بداية الشعر إخلاع الناس إياه عن سلطنته. ويقول في شعره تونس الخضراء، ويهدّد الشاعرُ خلال أبياته الحكّام الجائرين أن عاقبة الأمر ستكون في حالهم شبيها بما كان في حال علي زين العابدين الذي كان يحكم تونيس في أيامه الجائرة:
قل لمن يأبى إلى الحق استماعا هكذا يقتلع البغي اقتلاعا
هكذا ينتفض المظلوم، حتى يرحل الظالم، أو يبدي انصياعا
ولم يدع الأحداث السياسية التي حدثت في سوريا واليمن، بل ظل يعالج أوضاعهما في أسلوب شعري رشيق واضح، ويستهزئ من كلا الحاكمين الجائرين خلال شعره إلى ظالم الشام وظالم اليمن قائلا:
يا ظالم الشام بلغ ظالم اليمن أن الدماء على الرحمن لم تهن
وأن من يسلب الشعب الحقوق ومن يسطو عليه سيلقي شر مرتهن
وأن عاقبة الطغيان جائحة تجري على الروح والأموال والبدن
بلّغه، لا أملا في أن يكون له قلب يحس بما يجري من المحن
فإنه منك في طبع وأنت كما أظنّ أظلم في سرّ وفي علن
فأنتما في ظلام لا ضياء له كلاكما من ضلال العقل في قرن
ولما يرى الشاعر ما تجري في أرض الشام وتونس ومصر بعد الربيع العربي من الانقلاب السياسي وتغير الأوضاع التي تأتي على المسلمين بسلبياتها، رسم الشاعر منها قصيدة تَروي مأساة الأمة الإسلامية، لأن الأمة لا تجد من يدافع عنها هذه المأساة الكبيرة، والعالم العلماني لا ينظر إلى هذه المأساة كأنه مخمور يسقى من دماء المسلمين، أما الحكام في البقع الإسلامية وهؤلاء أيضا يجدون اللذة في المجزرة التي يُذبح فيها أبرياء المسلمين:
مذبحة تتلو مذبحة في أرض الشام وفي مصرا
والأمة تذرف أدمعها وتذوق مآسيها الكبرى
ونظام العالم مخمور من دمنا يرتشف الخمرا
وطغاة عروبتنا حفروا أخدود تآمرهم حفرا
قتلوا بالظلم شعوبهمو وأضاعوا المقدس والمسرى
وأضاعوا الشام وبغداد وأضاعوا الشاطيء والبحرا
كما أن الشاعر أرسل إلى الرئيس الأمريكي براك حسين أوباما رسالتين ساخرتين من حكمه ودبلوماسيته الشنيعة، يرسل هنا رسالة إلى الجنود الذين أخلعوا محمد المرسي من حكمه وأبادوا الإسلاميين من زمام الولاية مدعين أن الإسلاميين الإرهابيون المتطرفون، وإليه يشير الشاعر خلال رسالته إلى الجنود المصورة بصورة فرعون:
قطِّعْ رؤوس المصلحين فإنهم يبغون منك إلى الإله رجوعا
واملأْ سجونك ، ثم قُلْ :إني هنا لأحارب الإرهابَ والتقطيعا
طاردْ بجندك كلَّ صاحب مبدءٍ يأبى لقانون الضلال خضوعا
حتى يقول
لكَ كلَّ يومٍ قَوْلةٌ تُلغي بها ما قلتَ أمسِ، وتحسن الترقيعا
ما مصرُ يا فرعونُ إلاَّ حرَّةٌ تأبى إلى غير العَفافِ نوزوعا
و يختم رسالته إلى فرعون بإنذار مقتبس من قصة حقيقة لفرعون الذي كان يحكم مصر بحكمه الجائر.
فرعونُ ، لا يخدعْك وهمْك إنني أبصرتُ طفلاً في حماكَ رضيعا
ويصور الشاعر همومه وأحزانه فيما يحدث في سوريا تحت سيطرة الحاكم بشر الأسد، ويسخر من وعي الأمة والإنسانية لأنها لا تزال تنهمك في اللذات، ويجسم الشاعر الاستبدادية في تربة سوريا في صورة جهنم التي تلتهب بلحوم البشرية وتستزيد من ربها وقلوب العالم لا تنفطر لحالها رحمة عليها، ويشير إليها بقوله في قصيدة ’ماذا جرى‘
ماذا جرى؟
الشَّامُ يُذبحُ من وريدِ المكرماتِ إلى الوريدْ
الشَّامُ في دوَّامة الخطبِ الشَّديدْ
يشكو وعالَمُنا بلا وعْيٍ ولا عقلٍ رشيدْ
نارُ التَّآمُر في بلاد الشَّام تأكُل وجْهَهَا القمَريَّ قائلةً لها :
هلْ من مَزيدْ ؟!
والعالمُ الغربيّ و العربيّ قلبٌ من جليدْ
ويرى القارئ لوعة قلبه حينما يبين خلال أبياته ما يجري في الشام تحت سيطرة الحكومة التي تقتل الأبرياء من النساء والأطفال. وقد نجح الشاعر في تصوير لوعته النفسية حينما قال هذه الأبيات فهي في قصيدته الشهيرة ’يا قاتل الأطفال‘
ما أنتَ بالإنسانِ، فالإنسانُ لا يُلْقِي قذائفَة على الفَلَذَاتِ
يا قاتلَ الأطفالِ في شامِ العُلا يا زارعَ الأَلْغَامِ في الطُّرُقاتِ
ما أنتَ إلاّ عَقْرَبٌ تَنْدَسُّ في أثوابِ أبناءٍ لنا وبناتِ
حتى يقول
عُذْراً إلى شِعْرِي فقد دنَّسْتُه بقبيحِ ذِكْرِكَ يا أَخَا النَّزواتِ
وشاعرنا يفحص الأحوال المعاصرة في البلدان العربية الإسلامية ويرى دور الغربيين لا سيما الأمريكا وحلفاؤهم الذيين يرتقبون لأن يصطادوا في الماء العكر، فهؤلاء تارة تدعمون حكومة المستبدين وتارة تدعمون ثورة الثائرين، إلا أن هدفهم الوحيد السيطرة على البنزين والمصادر الطبيعية. ويشير إليها الشاعر في قصيدته ’أنت لدينا متهم‘ ويقول:
قف هنا أنت لدينا متهم
أنت لا يرويك ماء إنما يرويك دم
أنت للإرهاب قرطاس وحبر وقلم
أنت مقطوع فلا أهل ولا خال وعم
أنت في تركيبة العصر نشاز وسقم ووجود كالعدم
أنت في إشراقة العصر انفيالات ظُلم
وإنَّ آلام الشاعر الناجمةَ عن واقعِ أمَّتِه المرير لَم تجعل نظرته للغدِ نظرةَ يائسٍ محبط، ولكن لوعته فهي عدم اهتمام العرب ورؤسائهم إلى ما يعانون بها المسلمون في مصر وسوريا وغيرها من البلدان، والعرب والمسلمون ينهمكون في عالم اللذات. ويجعل الشاعر هذا الانهماك موضوعا للسخرية اللاذعة، ويصير الشاعر في أعلى قمة السخرية من حكام العرب حين يقول قصيدته مجزرة الغوطة:
على الأسرة أنتم أيها العـرب ونحن في وهج الأحداث نلتهـب
على الأسرة أنتـم تنظـرون إلـى مأساة شعب بها الشاشات تصطخب
شكرا لكـم حين تابعتم مجازرنا على الأثير وقد ضاقت بنا الكرب
ونرى الكاتب يضحك من أصحاب القلم من الصحفيين والإذاعيين لأجل موقفهم من الثورة القائمة في مصر وسوريا، وهؤلاء الصحفييون والإذاعييون لا يؤدوون دورهم الحقيقي ولم ينشرون الأخبار الحقيقي كما هو، وإليه يشير الشاعر بقوله:
إذاعات قومي لم تحدّث بما جرى ولم نر شهما بالحقيقة يصدعُ
ويؤلمني صمت الصحافة، لاأرى بها كاتبا حراً إلى الحق ينزع
وأخيرا نلخص القول:
إن الشاعر الإسلامي المعاصر الدكتور/ عبدالرحمن العشماوي يجيء في مقدمة هؤلاء الشعراء الذين شهدوا سياسة العالم الإسلامي والعربي، وسجلوها في قصائدهم، والحق أن هذا الشاعر يستحق لقب شاعر الأمة الإسلامية في العصر الحديث لأنه يواكب أحداثها ويتفاعل مع مآسيها شرقًا وغربًا، ويرصدها في شعر يحاول أن يهز به كيان هذه الأمة المكلومة، ويكافح بأشعاره وخياله الظلم والطغيان الذي سيطر على كيان الأمة العربية الإسلامية.