Thursday , 21 November 2024 KTM College
Literature

أدب المقاومة

12-November-2018
الدكتور محمد حسين إقبال الندوي

يرى بعض الأدباء أن المقاومة هي عملية رفض الظلم والاحتلال - ورفض كل ما يتفرع عنه من مشاريع خبيثة ضد الأمم والشعوب، وبجميع الوسائل المتاحة بما فيها الوسائل العسكرية، والسياسية، والإعلامية، وغيرها وبأي درجة ممكنة، وأعلاها درجة اليد، وهو الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله، وأوسطها اللسان لفضح المحتلين الظالمين، وأذنابهم من العملاء والمنافقين، وفضح مخططاتهم الخبيثة، ونواياهم العدوانية، بحق الأمم والشعوب ، وأدناها القلب، وهو كره المحتل، وأذنابه وعملائه وذلك أضعف الإيمان.
حركة المقاومة هي جميع الأعمال الاحتجاجية التي تقوم بها مجموعات ترى نفسها تحت وطأة وضع لا ترضى عنه. فالشعوب تقاوم من يحتل أراضيها.
وتختلف الأساليب من العصيان المدني إلى استخدام العنف والعنف المسلح وما بينهما من درجات.
تكتب لمياء الجابري عن أدب المقاومة وشعر المقاومة وتقول في مقدمة تأليفها "مختارات من شعر المقاومة" "في اعتقادي أن شاعر المقاومة، هو الذي يتبنى المقاومة والكفاح المسلح قولا وفعلا فهو يحمل البندقية بيد،والقلم باليد الأخرى، يقاتل ويقول الشعر، إننا لا نجد في الميدان إلا قلة قليلة مغمورة نقرأ بين الحين والآخر قصائد تجسد معاناتهم الحقيقية في أرض المعركة" .
يكتب الأستاد الدكتور أحمد موسى الخطيب عن أدب المقاومة في كتابه "وهج القصيد، دراسات في الشعر العربي المقاوم" ويقول " لقد عرف حقل الداراسات الأدبية مصطلح "الأدب المقاوم" في النصف الثاني من القرن العشرين، ولعله بدأ يتبلور وينتشر في الستينيات من القرن ذاته، حيث بدأ نقرأ ونسمع مصطلحات، مثل "شعر المقاومة" و "شاعر المقاومة"، وأدب المقاومة"، وكان المقصود أدباء فلسطين تحت الاحتلال وما ينجزونه، وأدباء فلسطين في مهاجرهم أيضا، وهذا القصد أو الفهم يفتقر إلى الدقة، ويجافي الحقيقة، لأن الشاعر العربي المعاصر بعامة أسهم بدور كبير في مقاومة هذا الاحتلال البغيض، ومشاركته الشعرية في كل مناسبة على أرض فلسطين تشهد بذلك، كما كان للأدب العربي في لبنان بخاصة دوره في مقاومة الاحتلال في جنوب لبنان، وكذلك كان شأن الأدب – وما يزال – في سوريا، ودوره مقدر في مقاومة الاحتلال في الجولان. ويمكن التوسع في هذا المفهوم ليشمل مقاومة صور القبح، والظلم ، والاضطهاد والتهميش على الأرض العربية، سواء ما كان تحت الاحتلال، أو غير ذلك، على هذا النحو، يمكن أن تندرج كثير من التجارب الأدبية العربية تحت مصطلح "الأدب المقاوم".
ويكتب زياد نجيب ذبيان عن مفهوم المقاومة ويقول: غطى التعبير المقاوم العربي الحديث خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وكانت صورة البطولة والترميز إليها أو الخطاب الصريح والمباشر بمعانيها وتجاربها من التاريخ العربي أو التبشير بها على الرغم من نزف جروح الذات القومية هي الأكثر ظهوراً في شعر المقاومة من التصدي للعدوان الأجنبي أو احتلاله ونداء الثورة والتحرير والاستقلال والجلاء إلى إرادة حمل السلاح بأشكاله المتاحة إلى إشاعة تقاليد مواجهة العدو الخارجي والداخلي في آن معاً إلى تمجيد فعل البطولة ولرموز أبطاله وتصليب روحيتها في الوجدان الشعبي والوطني والإنساني العام والخاص من خلال المنظومات القيمية القومية والوطنية بطوابعها الإنسانية العميقة والشاملة مثل الفداء والشجاعة والصمود والإيمان بالنصر والتماسك والجهاد والأمل بالتغيير والمجابهة والحلم بالحرية والخلاص، أي أن التعبير الشعري المقاوم مواز للتعبير الشعري عن البطولة وتجلياتها في حياة العرب المعاصرين الذين واجهوا المصائب وكوارث العدوان من حين لحين على امتداد مراحل العصر الحديث.‏
غسان كنفاني الذي أصدر كتابين درس فيهما الأدب العربي في فلسطين، أولهما "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966(1966)، وعنوان ثانيهما "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968(1968).
وهو يكتب في مقدمة كتابه الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال.. ويقول "ولعلنا نشير إلى آخر تعريفات المقاومة ومفهوم أدبها قبل النظر في مفهوم شعر المقاومة وتطوراته، وظهر ذلك في ندوة خاصة بالمقاومة، وقد أشار المشاركون فيها إلى التعريف الأشمل للمقاومة الذي اتسع ليشمل المقاومة النفسية والسياسية والاقتصادية، فقد غدت المقاومة رد فعل الهيمنة والاستبداد من جهة، ودفاع الكائن عن مجاله الحيوي الإنساني من جهة أخرى، وهذا المجال هو المحيط والمجتمع والتشكيلات الاجتماعية، والمقاومة في الأساس رد فعل دفاعي عن مكونات البيئة والمحيط، وعد أحد المشاركين مقاومة غاندي من نوع اللاعنف أشد أنواع المقاومة، لأنها النضال من أجل الحق وضد العدوان، والمقاومة من أجل البقاء لن تقف عند حد، من مقاومة الفلاحين للإقطاع إلى مقاومة العبيد للأسياد ومقاومة المظلوم للظالم ومقاومة الإنسان لظروف الطبيعة، ثم شملت المقاومة تقوية عناصر الضعف الداخلي، وأضيف مشروع النهضة العربية إلى حركة المقاومة، لأنها منطلقات وطنية تزامنت مع المد الإمبريالي حتى داخلت علاقة العولمة بالمقاومة ، ورأوا أن المقاومة الحالية مرتبطة بهيمنة الشمال على الجنوب، وذلك في نهاية التحليل مقاومة للنظام العالمي الجديد الذي هو نظام هيمنة.
وفهم أدب المقاومة إلى وقت قريب بأنه شعر البطولة، والبطولة في اللغة هي الغلبة على الأقران، ولطالما اقترنت بالقداسة والإجلال والإكبار، وتماهت مع طقوس الحياة الأزلية حياة وموتا، وأخذت أبعادا متعددة شديدة الاتصال بعمليات بقاء الإنسان حرا كريما ضمن قومه ومحيطهم، فالبطولة لاتقتصر على الطوابع القتالية والعسكرية والحربية، بل تمتد إلى قوة النفس وصفاء الروح وعمق الإيمان بالعزيمة على صون الوجود الذاتي العام والخاص، وهو فهم عريق في حياة العرب منذ القدم، وكما قال شوقي ضيف "ولكثير من أبطال الجاهلية دواوين تمتلئ بضجيجهم وبيان ما أنزلوا بأعدائهم من الموت الساحق الذي لا يبقي ولا يذر، كما تمتلئ بمثلهم النفسية والخلقية التي كانوا يحرصون عليها حرصهم على أرواحهم مزدرين الصغائر والشهوات في سبيل مطامع النفس الكريمة التى تعرض عن النقائض، وتمتنع عليها.
وعندما جاء الاسلام أخذ شعر المقاومة بعدا جديدا، فالشاعر لا يقاتل عن أحساب وأنساب ولا عن قوت ومال بل هو يقاتل عن عقيدة اقتنع وآمن بها فيضحي بنفسه في سبيلها ويجرد سيفه وقلمه من أجل نصرتها، فشعراء النبي صلى الله عليه وسلم – كعب بن زهير وحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فلا يألون جهدا في نصرة حملة العقيدة الجديدة ومحاربة أعدائها، وخير من يمثل شعراء المقاومة في تلك الفترة الشاعر عبد الله بن رواحة الذي استشهد في غزوة مؤتة وهو يقاتل الروم ويستنهض المسلمين للقتال فضرب بذلك أروع مثل لشاعر المقاومة الحقيقي.
على أننا لا نعدم أمثال هؤلاء في عصرنا الحديث، حيث نجد شعرا كاملا يستحق أن نطلق عليه شعر المقاومة، ومن هؤلاء الشعراء ... الأميرعبد القادر الجزائري ومحمود سامي البارودي وشاعر اليمن الشهيد محمد محمود الزبيري. فالأمير عبد القادر الجزائري رب سيف وقلم كما يقولون، فقد قاتل الفرنسيين أكثرمن خمسة عشر عاما وكان شعره تجسيدا حيا لتلك المعارك التى خاضها.
ويرى غالي شكري أن لأدب المقاومة وجهه الإنساني العام الذي لا يندرج في تصويره للصراع البشري تحت أية أطر قومية أو قوالب اجتماعية. ويذهب إلى أن الجانب الإيجابي الهام في هذا اللون من ألوان الأدب هو أنه من عوامل "التجمع" لا من عوامل "الفرقة"، وحين ينظر في الأدب العربي في القرن العشرين فإنه يعد أعمال توفيق الحكيم، ومنها "عودة الروح"، وأشعار بيرم التونسي، وأشعار الشعراء التموزيين، من أدب المقاومة.
واستعان النقاد على هذا الفهم بتجارب المقاومة العالمية، فقد استشهد غالى شكري في كتابه "أدب المقاومة" على سبيل المثال بالمقاومة الفرنسية والتشيلية والسوفيتية والبلغارية والأسبانية والفيتنامية. وظهرت خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كتب عديدة غربت فيها نماذج من شعر تلك التجارب وأدبها، وعد الشعر "فن القماومة بمعناها الوطني" ونادرا ما يتخذ أبعادا إنسانية شاملة، وقليلا ما يرتكز على أبعاد اجتماعية واضحة، ولكنه دوما هو رسول الدفاع عن الأرض وإنسانها، لذلك كانت صورة البطولة في شعر المقاومة أقرب ماتكون إلى السيرة الذاتية للشاعر متمثلا أعمق خصائص الفرد وأشمل جوهريات الوطن.
وحين يكتب شكري عن أبعاد أدب المقاومة يكتب عن أبعاد ثلاثة هي البعد الاجتماعي والبعد الإنساني والبعد القومي ، متتبعا خطا غسان كنفاني في كتابه الثاني، حيث أشار الأخير إلى أربعة أبعاد، هي الاجتماعي والوطني والقومي والإنساني.
على أن ما يهمنا هنا هو مفهوم شكري لمصطلح أدب المقاومة ، إنه يري أن أدب المقاومة لا يقتصر على الأدب الشعبي أو الأدب الوطني ، لأن المقاومة أرحب من أن تنحصر في هذه الدائرة المغلقة أو تلك.
إن أدب المقاومة العربي في الأرض المحتلة يقدم لتواريخ الأدب المقاوم في العالم نموذجا متقدما في الحقيقة وعلامة جديدة نادرا ما استطاعت آداب المقاومة المعروفة في العصور الحديثة أن تحقق ما يوازيها في المستوى مقارنة بمهماتها الصعبة وشديدة التعقيد وظروفه التي لا تشابه بين ما لدينا من الأمثلة المعاصرة إلا ظروف المواطنين السود تحت حكم دولة جنوب إفريقيا العنصرية، بل تفوقها قسوة ووحشية أدب المقاومة
وارتبط مفهوم شعر المقاومة بمفهوم الثورة ، والثورة لم تعد رفضا لإسرائيل فقط، وإنما نضالا ضد سلبيات الواقع العربي، فالدرويش لم يعد يقبل كل ما هو عربي لأن قبوله سعي إلى الجمود، وهكذا نستطيع أن نقول إن الدرويش قد شارك في تثوير الواقع العربي. ولقد تجسد مفهوم الدرويش للثورة بالعمل الفدائي الفلسطني.
ثم يرى غسان كنفاني أن شهدت الثمانينيات والتسعينيات في القرن الماضي تطورا واضحا في مفهوم شعر المقاومة بالنظر إلى عظم تحديات الهيمنية الاستعمارية وتغير مظاهرها وأساليبها من أشكال الغزو العسكري والاحتلال المباشر إلى الاستعمار الجديد والاستعطاب والتبعية والغزو الفكري والتطبيع والعولمة والحرب الإفتراضية.. ..الخ. وظهر مفهوم المقاومة الثقافية بتعزيز قوي الذات الداخلية على أساس تعضيد الوعي بالتاريخ والانغمار بالوجدان الوطني وتصليب عزيمة النضال من أجل الوجود الحر والكريم والمستقل دفعا لمعاضلاته الكثيرة الناجمة عن العدوان الداخلي المتواطئ أو الخادم للعدوان الخارجي أحيانا، وصون الهوية القومية بابتعاث عناصر الذات العربية الراسخة، ونشير إلى العناية بالمقاومة الثقافية في خضم المتغيرات الدولية المتسارعة والعاصفة لدى مضاعفات الهيمنة الإمبريالية وتصاعدها إلى استتباع المعمورة برمتها، وتداولت في هذا الشأن مفاهيم الحرب الثقافية والحرب الاقتصادية والحرب الإعلامية والحرب النفسية وأمثالها. وتعاظمت مخاطرها مع تغييب الاعتراف بالتنوع الثقافي وحق الشعوب بالوجود. وتماهي الفعل المقاوم مع الفعل الثقافي إلى حد كبير فما عاد العدو الاجنبي، يقف عند حدود الهجمات العسكرية والعدوان المسلح وإقامة القواعد في عمق الوطن العربي للحفاظ على أمنه وحماية مصالحه وتعزيز هيمنته وعلى رأسها قاعدة إسرائيل ، ولكنه سيعمل من أجل الإجهاز على الكيان الحضاري والمقومات الثقافية، لأن هذه الإجهاز، هو بالفعل، التدمير الحقيقي للأمة والقضاء الحاسم على وجودها في العالم.
لقد اتسع مفهوم المقاومة بدخوله في أمداء المقاومة الفسيحة، وبدأت لصيقا بمفاهيم الصمود والتضامن والشجاعة والوعي الذاتي والدفاع عن الحقوق المشروعة وسواها إلى جانب قيم البطولة والمقاومة المسلحة، وتبدو ملامح من هذا الفهم في بعض الدراسات الراهنة عن شعر المقاومة.
أدونيس الشاعر الأديب الناقد تحدث عن قضية أدب المقاومة في كتابه "زمن الشعر" ولكن آرائه عن أدب المقاومة مختلفة عن آراء النقاد الآخرين وهو رأى مغاير لآراء كثيرة سابقة، وينظر أدونيس إلى الشعر العربي في الأرض المحتلة على أنه رافد صغير في الشعر العربي المعاصر، بل رافد ثانوي، وهو امتداد لا بداية: امتداد لشعر التحرر الوطني الذي عرفه العرب طيلة النصف الماضي من القرن العشرين، وهو ليس شعرا ثوريا.
ووقف أدونيس موقفا مضادا لآراء أخرى شاعت في زمنه، زمن كتابة كتابه – أي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات – مجد أصحابها فيها شعر المقاومة، ومنها ما ورد في عدد مجلة الطريق الخاص بأدب المقاومة (1968)، وأشار أدونيس إلى رأي رضوان الشهال الذي رأى في أدب المقاومة "ظاهرة فريدة متميزة في الشعر العربي" وأنه – أي أدب المقاومة" ارتفع بوثبة جدلية رائعة البهاء، إلى المستوى الثوري الحقيقي"، كما أشار أدونيس إلى رأي عبد الرحمن ياغي في قصيدة محمود درويش "جندي يحلم بالزنابق البيضاء" من ديوان "آخر الليل"، ولم يعجب أدونيس بما قاله ياغي عنها، حين نعتها الأخير بأنها قصيدة القصائد في ديوان الدواوين.
ولا يرى أدونيس في شعر المقاومة شعرا ثوريا، إنه – والرأي لأدونيس – شعر محافظ، منطقي ومباشر، مشبع بروح المبالغة، يحاول أن يصنع الثورة بوسائل غير ثورية، ينطق بالقيم التقليدية التي تتبناها القوي المحافظة، ويرى أن شعراء الأرض المحتلة يستلهمون أحيانا "أحداثا ماضية ذات بعد وإطار دينيين، وأحيانا يستلهمون الأنبياء أنفسهم، وأحيانا يعكسون فكرة الثأر، والثورة لا تقوم بإحياء الماضي أو استدعائه".
أرى أنه مسيحي نصراني ففكرته مختلفة عن آراء النقاد العرب المسلمين فهو لا يعتبر شعر المقاومة مقاومة فكرية و وطنية واجتماعية ودينية واحتجاجية و في الواقع خلافاته خلافات العقيدة والثقافة والدين.
حول هذا الموضوع ألف النقاد والأدباء كتبا كثيرة كما يوسف الخطيب تحدث في مقدمة ديوانه "ديوان الوطن المحتل"، ورجاء النقاش في كتابه " محمود درويش: شاعر الأرض المحتلة"، وغالي شكري رأى شعراء المقاومة كشعراء المعارضة في كتابه "أدب المقاومة"، وحسين مروة يهدي كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي" إلى زوجته التي أعانته على أن يكون شجاعا في قول الحقيقة، وأن يكون شيوعيا أيضا، ويقر بأنه في نقده يتبع المنهج الواقعي، ويخصص صفحات من كتابه يتحدث فيها عن أدب المقاومة.
ويشير مروة إلى الدراسات السابقة التي تناولت هذا الأدب، سواء التي صدرت في كتب خاصة أو تلك التي ظهرت في أعداد خاصة من المجلات العربية، مثل الطريق اللبنانية (كانون أول 1968) والآداب اللبنانية أيضا (نيسان 1968).
وحين يناقش مروة خصوصية هذا الأدب يرى أنها تنبع من أصول ثلاثة هي :
1- أن صانعيه هم من أبناء الجماهير التي ربتهم وأعطتهم الجذور.
2- أن أدبهم صادر من لحم القضية الفلسطينية، وأنه يعيش هذه القضية ويذوب فيها ويمارسها مواجهة يومية.
3- أن الشعراءن في سبيل توثيق علاقتهم بالجماهير وبلحم القضية الفلسطينية تبصروا بالمبادئ الماركسية التي – كما قال محمود درويش – أشعلتهم حماسة وأملا.
وتخصص نجاح العطار وحنا مينة في كتابهما "أدب الحرب" (1976) حيزا لدراسة أدب المقاومة الفلسطينية، ويكتبان عن أدب المقاومة الحربي، ولا يدرسان الأدب الثوري، إنهما يميزان بين أدب الحرب وأدب الثورة، فالأول يكون ضد الخارج، والثاني يكون ضد الداخل.
ويقولون "فالأدب الموجه ضد الاستعمار والصهيونية في كل مكان من الوطن العربي هو أدب مقاومة ضدهما".
وفي بداية الثمانينيات صدر لعبد الرحمن ياغي كتاب عنوانه "شعراء الأرض المحتلة في الستينيات: دراسة في المضامين" (1982)، وهي دراسة غلب عليها طابع الإعجاب والتمجيد.
قد اعتنى النقاد بأدب المقاومة الذي له علاقة بالقضية الفلسطنية والأدباء و الشعراء الفلسطينيين. وفي الواقع الصراع الفكري والديني والوطني والثقافي ما يعالجه الأدب العربي هو أدب المقاومة والأدب المقاوم. لا ينحصر هذا الأدب في دولة وفي منطقة، بل له أبعاد مختلفة ومجال واسع، ونجد التداخل لهذا الأدب في أجناس الأدب أيضا – الأدب الوطني والسياسي والإحتجاجي وغير ذلك.
وتطور هذا الأدب في جميع البلدان العربية في العراق والسورية وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى والخليج العربي و أدبائها وشعرائها لا حصر لها، وتحتاج دراسة هذا الأدب إلى دراسة موضوعية موسوعية، ونشأ هذا الأدب خارج الوطن العربي في الهند والبلدان الأخرى، كان مركز المسلمين القائد في حركة تحرير الهند وإجلاء الإنجليز- وقد كان ذلك طبيعيا- لأنهم هم ولاة البلاد وسادتها حين احتل الإنجليز هذه البلاد، وبدأ الأخبطوط الإنجليزي ينفث سمومه، ويبتلع هذه البلاد قطعة قطعة وإمارة وإمارة.
ومن سماتهم البارزة أنهم قادوا الحركة الأدبية الإنشائية في شبه القارة الهندية، وكانوا من الدعائم القوية السامقة التى قام عليها قصر الأدب الرفيع والنثر الفني بعد ثورة 1857م، وكان كل واحد منهم مؤسس مدرسة أدبية خاصة، لا يزال لها أنصار وأتباع ومقلدون، وكان كثير منهم رائد نشاط جديد في الإنشاء والتحرير، والنقد وتاريخ الأدب والشعر، ولا تزال مؤلفاتهم هي المرجع الأصيل والعمدة في هذا الموضوع، فلم يكن في الهند ذلك الفصام النكد بين علوم الدين والأدب العصري ولغة البلاد، ولم تكن تلك الفجوة التى وقعت في بعض البلاد بين علماء الدين والشادين بالأدب والشعر، الهائمين بهما، الفجوة التي جنت على الدين والأدب في وقت واحد.
تمر كل أمة ودولة بالابتلاء والمحن، وهي سنة ربانية لا مناص منها، وعلى هذا فقد شهدت الهند أيضا مرحلة من مراحل المحن، مرحلة قد ضيق الخناق فيها على مواطينها وأهلها، فأصبحوا غرباء في ديارهم وقاسوا ألوان الشدائد وضروبا من العذاب والتنكيل في بلادهم ، وضاقت عليهم الأرض بمارحبت، وهؤلاءهم المستعمرون الإنجليز الذين بطشوا بالهند شعبا وأمة وقاموا بمجازر كثيرة جددت ذكريات مذابح جنكيز وهولاكو، وقد حكموا قرابة قرنين وفي هذه المدة قد استجابوا دماء مواطنيها والتلاعب بثرواتها وخيراتها وكل شيئ يخدم مصالحهم ويرضى شهواتهم ويفي مقاصدهم الدنيئة السافلة، ولكن لكل شيئ بداية ونهاية، فأنى للظلم استمراروللظالمين استقرار.
والذين قاوموا بالمقاومة وأدبها في الهند منهم الشاه عبد العزيز الدهلوي، والشيخ فضل حق الخيرآبادي، ومولانا أنور شاه الكشميري، وحميد الدين الفراهي، ومولانا أبو الكلام آزاد، والشيخ ذو الفقار علي الديوبندي، والشيخ زين الدين المخدوم الكبير وزين الدين المخدوم الصغير، والشيخ القاضي محمد الكالكوتي وغيرهم.
الشيخ ذوالفقار علي
"كان له منظومة طويلة تشتمل على 109 أبيات تحت عنوان "عروج الاسلام ونزوله" " ومنها:
الا ما للدوائر لا تزال وما للنازلات لها انهمال
تذكرت الزمان زمان لهو وعيشا ناعما فيه الوصال
وأياما لنا غرا طوالا لها في الدهر آثار وقال
بدا الاسلام في الدنيا غريبا وليس له حواء أو محال
ارينا الناس نهجا مستقيما قويما لا يزاحمه ضلال
كذا كنا ملوكا في نهار ورهبانا إذا انطفأ الذبال
فعاد كما بدا لما انقلبنا والنا بالهوى عميا وآلوا
اضعنا الدين لما أن بطرنا وغرتنا الأماني والمحال
وضيعنا الشريعة فافتضحنا وصرنا صاغرين ولا ندال
وخلفنا اصول الدين زهوا وراء الظهر فانحل العقال
ركبنا ما نهينا وانتهكنا محارمه وذا داء عضال
العلامة أنور شاه الكشميري
له قصيدة عن غدارة اليونان وبريطانيا تشتمل على 48 بيتا، منها:
أو ما ترى لما عدت عن طورها غدارة اليونان والبريطاني
حتى غدوا لا يومنون لربهم وتنصلوا من خلقة الإنسان
فازداد شر، في البسيطة منهم ما كان يحكى منذ جنكيز خان
أو ما ترقرق عينهم أو قلبهم من رحمة الصبيان والنسوان
فاستدرجوا حتى تفارط أمرهم في الغي والطغيان والعدوان
حتى تدارك رحمة من ربنا من دولة الاسلام من عثمان
المصطفى الغازي الكمال فهدهم صرعي وهلكي هل ترى من غان
والسيف أشفى للصدور من العدى والعزم أمضي منه في الميدان
عندما يوجد الفوضى والفساد والظلم والطغيان في مجتمع وبلاد في العالم، الشعراء والأدباء يعبرون عن أحاسيسهم وعواطفهم ووجدانهم في أعمالهم لقيام العدل والانصاف في ساحة العالم، العصر الراهن يحتاج إلى أدب المقاومة أكثر من قبل، لأن كثر الظلم والطغيان في كل مكان، ويحرض هذا الأدب النفوس والناس لإقامة الأمن والسلامة في المجتمع والبلاد، هذا هو الجانب الإيجابي لهذا الأدب.
ولا يبغي الدارس الإتيان على كل ما كتب في هذا الشأن من كتب ودراسات ومقالات، فهذا أمر يحتاج إلى مدة زمنية أطول مما أتيح للدارس الذي كتب هذه الدراسة للمشاركة في مؤتمر "أدب المقاومة" الذي تعقده كلية دار النجاة في يناير 2015.