، إن أكبر حـدث شهـده العالم منذ القـرن الثامن عشر الاستعمار والاحتلال الذي رزخ في براثنه الملايين من الناس في البلاد الشرقية العربية، ومطامح الاستعمار تأتي نتيجـة لانهزام القوات الغربية المسيحية في الحروب الصليبية ورجوعهم القهـقـرى بعد أن دارت رحـى الحرب بينهم زهاء قرنين. وقد أضمـروا الحقـد والشحناء نحو المسلمين وتربصوا بهم الدوائر. ومن جانب آخـر بـدأت القوات العثمانية الذين بثوا نفوذهم على البلاد العربية وبعض المناطق الأوروبية ، تضعف وتتلاشـى ، وخصوصا بعد النصف الثاني من القـرن الثامن عشـر، مما سهـل على رجال الاستعمار احتلال البلاد العربية والتدخل في شؤونهم السياسية والاجتماعية. وقد كان لهم من وراء هذا تطلعاتهم الذاتية الفجـة ، وذلك استغلال خيرات تلك البلاد وجلب الموارد الطبيعية منها إلى بلادهم سعيا لتطوير النشاط الصناعي . كما أنهم زعمـوا أنفسهم أنهم رجال الحضارة والثقـافة الحديثة ، ورأوا لزاما عليهم السعي لتحضير الأمم المتخلفة في الشرق ، ليتخذوا من ذلك مدخلا آخـر لترسيخ أقدامهم في البلاد العربية.
وقد كانت البلاد الأوروبية تتسابق للسيطرة على البلاد العربية . ومنهم فرنسـا الذين احتلوا الجزائر وإيطاليا المسيطرة على ليبيا وبريطانيا الذين استعمروا بلاد الشـام ومصـر . وكان الاستعمار الفرنسي في الجـزائر أدهـى وأمـر في تاريخ الاستعمـار. لأنهم عمـدوا إلى مسخ الهوية الجزائرية العربية وتحويلها إلى الفرنسية ، وأغـلقوا ما يقارب ألفا من المدارس العربية وأحلـوا المدارس الفرنسية محلها وأجبروا الناشئين على التعليم الفرنسـي ، كما أنهم ازدروا بالدراسات الدينية ، وقد حاولوا كذلك إدخال اللغة الفرنسية إلى القبائل الجزائرية ، ولم ينتـه مؤامراتهم التدمرية في هذا الحد، بل تعـدى إلى طمس الآثار التاريخية. ووضعوا اسم فيكـو الإيطالي ليكـون هو المبادر في الدراسات الاجتماعية بدلا من العلامة ابن خلـدون ، ودانتى في مكان أبي العلاء المعـري، ولامرتين بدلا من عمر بن أبي ربيعة، وكلـود برنارد بدلا من ابن سينــا. وقالوا إن تاريخ الجزائر إنما يبـدأ منذ عام 1830 ، ذلك العام الذي بدأ فيها احتلالهم. ولا تزال بقايا احتلالهم واستعمارهم باقية في الجزائر ـ في الثقافة والحضارة ـ حتى إلى يومنا هذا.
مراحل الاستعمار وتطورهم
وقد كان الاستعمار الأوروبي في القارة الآسيوية والإفريقية في ثلاث مراحل: الأولـى حين نزل فاسكـودى غاما في ملابار عام 1498 حيث بث البرتغال نفوذهم على السواحل الجنوبية الغربية في الهنـد وعلى بعض مناطق البحرين. والمرحلة الثانية تبدأ منذ عام 1798 حيث داهمت الحملـة الفرنسية بلاد مصر وما حولها . والمرحلة الثالثة تبدأ منذ عام 1918 حيث انتهت الحرب العالمية الأولي ، وكان العثمانيون شايعوا الألمان في هذه الحرب ، ولما انهـزمت الألمان انهـزم معها القوات المتحالفة لها ، ولم يلبث أن تم توزيع العراق والشـام بين فرنسـا وإنجلترا . وهناك حادثة جعلت مركـز العرب والمسلمين أشد حرجا، وذلك وعد بلفـور الذي قام به الوزير الخارجي لبريطانيا ، والذي ينص على إقامة دولة مستقلة لليهـود في فلسطين. وقد سـاند الإنجليز والفرنسا هذا القـرار الذي بموجبه فازوا بعصفورين بحجر واحد. إنهم تخلصوا من مكائد اليهود في بلادهم ، كما أنهم نصبوا للمسلمين العرب شبكـة الاصطياد إلى الأبد، وذلك ما دامت دولة اليهود قائمة في فلسطين فليس في وسع المسلين في القارتي الآسيوية والإفـريقة أن يتوحـدوا فيما بينهم.
أضف إلى هذا مساندة هيئة الأمم المتحدة لخطط اليهود ودعمهم ماديا ومعنويا لإثبات كيانهم السياسي والثقافي في خارطـة العالم. وبموجب القرار الصادر من هيئة الأمم تم إقطاع 55% من أراضي فاسطين لليهود المحتلين مع أنهم لا يتجاوز عددهم على 6 % ، بل بحجة هذا القـرار العالمي انتزعـوا 78% من أرض فلسطين . وقد قامت دولتهم فعلا عام 1947، وفي عام 1967 فتحوا بيت المقدس وأحرقوا بعض جوانبها.
مسيرة المقاومة الشعبية
وما إن وقعت البلاد والعباد في مثالب الاستعمار حتى استنهضت همم المواطنين واصطفوا أمام الطغيان الجاثم أمامهم . وقويت الانتفاضة والمقاومة في كل البلاد. وتزعمها رجال صالحين أدركـوا بثاقب ذهنهم مصير البلاد وحركـوا الشعـوب للصمود أمام هذه الوحشيات. وكان في السودان السيد أحمد محمد المهـدي وفي المغرب مفـدي زكـريا وفي الجزائر عبد الحميد بن باديس وفي تونس محمد على السنوسي وفي الشـام عبد الرحمـن الكـواكبي والدكالي وغيرهم كثير. وقد هاجت العواطف والوجدان بهذه المقاومة ، وحركـت المواهب والإبداع واتجهت به إلى أبعاد واسعـة. وكان للآثار الأدبية المتولدة في ظل المقاومة صدى واسع تجاوبت الأقطار والأمصار، وتلقاها الشباب والشيوخ بكل الحماسة . وغنوا بالبطولات الإسـلامية الذين ضحوا برُوحهم ورَوحهم في سبيل تحرير البلاد ، مما وُجدت حصائل متنوعة في الأدب العربي الحديث. والأدب دائما يمضي مع نبضات الشعوب .
انعكاسات المقاومة في الشعـر العربي
وفي هذا الخصوص ما قال الوزير محمد بن إدريس المتوفي عام 1264 ، وهو يحض المواطنين على النفير والجهاد:
يا أهـــــــل مغربنا حق النفــير لكــم إلى الجهـاد فما في الحق من غلط
فالشـرك من جنبات الشرق جاوركم من بعد ما سـام أهل الدين بالشطط
فلا يغـــــــــرنكـم من لين جانبـــــه ما عاد قبل على الإسـلام بالسخط
فعنـده من ضروب المكـر ما عجزت عن دركـه فكـرة الشبان والشمط
من جاور الشر لا يعـدم بوائــــــــقه كيف الحياة مع الحيات في سقــط
وحين سقطت تلمسـان في يد فرنســا قال الشاعر :
يا سـاكـن المغـرب الجهادَ الجهادَ فالكـــفـر قد شاركـكـم في البلاد
مصائب صبت على معـشـــــــــر يبكــي من الإشفـاق منها الجماد
الشاعر طاهر الإيفـراني المتوفي 1956 يقول مستهزئا بالحماية التي أعلنتها القوات المستعمرة وما ترتب عليها من الإرهاصات :
لقد أنشب الكفـر المـداهـن نابه ومـد إلى سرح الهـدى كـــف مفســد
وكاد بأنواع المكائــد أهلــــــــه فصار ينادي خامـري وتبلـــــــــدي
وقد بلغ السيـل الزبـى بظهـوره وإن لم يـداو الضــــــر بالكــي يزدد
وكان سقوط الجزائر في قبضة الفرنسا عام 1830 ، كما سيطروا على تونس عام 1881. وقد تغرضت المغرب لحرب شعواء أشهرها أسبانيا عليها عام 1860 ، وبعد فترة قليلة وفي عام 1919 وقعت سوريا في شبكـتهم . والمصيبة إذا حدثت في مكان لا يلبث أن يتجاوزه إلى الأماكن الأخـرى ، مثل التهاب النار في الهشيم، كما يقول الشاعر المتنبي:
إذا تهـب الرياح النكـب من بلــد فما تهـب بها إلا بترتيب
وفي مصر نهض الشـاعـر جمال فوزي بتلهفـه ويقول:
إلهـي قـد غدوت هـنا سجينــا لأنـي أنشـد الإســلام دينـــا
وحولـي إخـون بالحــق نادوا أراهـم بالقـيود مكبلينــــــــا
طغاة الحكـم بالتعـذيب قــامـوا على رهـط من الأبرار فينا
فطورا مـزقوا الأجسام منــــا وطـورا بالسيـاط معـذبيــنا
وتجاوبت أصداء المقاومة في العراق ، حيث اصطف العديد من الشعـراء بإبداعاتهم الشعـرية لطرد الطغاة واستعادة مجـد البلاد وشـرف الشعــوب ، وفي هذا الصدد يقول الأستـاذ وليد الأعظمـي. وهو ينعـى على البلاد العربية والإسـلامية التي تعرضت لهجمات الاستعمار:
كل أفـــق على الإسـلام دائـــرة ينهـد من هـولها رضـوى وثهـــلان
في زنجـــبـار أحاديث مروعــــة مثل التي فعلـت من قبل أسبــــــــان
ذبح وصلب وتقـــتيـل بإخـوتـنـا كما أعـدت لتشفــى الحقـــد نيـــران
واليوم لا شـاعر يبكى ولا صحف تحكـي ولا مرسـلات عنـدها شـــان
مساجد نسفـت في قبرص علنــــا فهـل تحـرك عنـد القــوم وجــــــدان
حرب صليبية شعـــواء ســافــرة كالشمـس ما عـازهـا قصد وبرهــان
وحول كاشمير قتلى لاعــداد لهم في كل زاوية رأس وجثمـــــــــــان
وذي فلسطين قد طالـت مصيبتها وخيمـت في سمــاء القــدس أحـزان
ومن الأردن يطلع علينا الشـاعـر أبو هلاله بعواطفة الجياشة ضد المستعمرين وهو يقول:
نائم أنـت والجــراح تــــــؤدد ومضـــر بــك الركــون البلــيد
يا قيود الطغاة منك ضجرنا وعلى القهـر كيف تغفـو الأسود
يا بني أمتي أقول وقلبــــــــي في زوايا الآلام حب عميـــــــد
حين بدلتم الجهاد نكـــوصــــا ذل ساداتكـم وذل المســـــــــود
ولم يكن السيد مفـدي زكـريا أقل بضاعة في هذا المجال، وكان في طليعة المقاومة بقلمـه وسيفه ولسانه ، وفيما يلي بعض أشعاره حين شبت الثورة الجزائرية .
قام كالمـارد ـ يـــــرتاد المنـايا ـ يمـلأ العـالم بشــرى وتمـادى
ومضى يبني على هـام الضحايا يلهـم التاريـخ سفــرا وتنادى
وينـأدي ، فتناجيـه البنــــــــادق عاصفــات في الشــــــــواهق
وكان الأديب خير الدين الزركـلي من سوريا ينـدب ما حدث لبلاده من ويلات وخسرات إثر ما وطأته أقـدام المحتلين ، وهو يقول وقلبه يكاد يتفجـر من شـدة التحسـر:
نعـى نادب العـرب شبــانهـــــا فجـدد بالبـــــغــي أحـــزانها
بكـى كل ذي عـزة قــــربــــــه فهـاج نـزار وعـــــدنـانهـــا
فمـن للمـدامع ألا تفيـــــــــــض وترســل كالســـــيل هتــانها
فجائـع هيـي حديث القـــلــــوب وهيهـــات تستطيــع سلوانها
وقال أيضا:
عنا أحفــاد جنكــيز فســــــــاقــوا سـلائـل يعـرب سـوق العبـــــيد
هم عـــــقـدوا العهـود على ولاء وهـم عمـدوا إلى نقــص العهود
فـــكـم قتلــوا من الأحيـاء صبرا وكـم سـامـوا المهـانـة من عميد
وكـم حملـوا على الأعـواد ظلما وكـم سقـوا المنيــة من شهــــيد
الطائرات محومـات حــــولهـــا والزاحـفـات صراعهــن شـديد
ولقد شهـدت جــــمـوعها وثابة لو كان يـدفــع الصدور حـــديد
شـر البليــة والبلايا جمـــــــة أن يستبيــح حمى الكـرام عبيد
ومنذ مطلع القرن العشـرين بدأ يتطـور هذا النوع الأدبي ، وأضاف إليه المبدعون والمنشئون ما أثبتوا به للعالم أن الشعب العربي ما تلين قناتهم أمام الأزمـات والعواصف، كما بدأ يطلـق عليه " أدب النكـبة أو أدب المقاومـة" وكان الشاعـر خليل مطران أكـثر الشعـراء العرب تحريكا لحماس الشعـوب ونقـدا للحكام الأجانب. وفيه قـوله الذي يندب به ما أصاب مصـر:
بنـي العـرب فيم الصبـر والحال ما نـرى ويأبى علينـا الخسـف تاريخنــا قـدما
وحتـام نطـوي العمـر والليل دامــــــــــس ونحتمـل الإحجاف والضيـم والظلما
يا مصر أنت الأهل والسكــــــــــــــــــــن وحمـى على الأرواح مؤتمــــــــــن
وحين اشتدت رقابة الحكم الاستعماري وبدأوا يضعون الأغلال على حرية التعبير ثار الشاعـر ضدهم وقال:
كسـروا الأقـلام ، هل تكسيـرها يمنـع الأيـدي أن تنقـش صخــــرا
قطعـوا الأيدي، هل تقطيعهـــــا يمنــع الأعيـن أن تنظـر شــــزرا
أطفئوا الأعين، هل إطفاؤهـــــا يمنـع الأنفـاس أن تصعــد زفـــرا
أخمـدوا الأنفـاس ، هذا جهــدكم وبه فنجـاتنــا منكــــم وشكـــــــرا
وأما الشـاعر العراقي معـروف الرصافـي ، فقـد عبر عن مقتـه نحـو الشعـوب الذين تماوتوا على وجه الاستعمـار ومضوا في سباتهم وهو يقول معاتبا إياهم:
إذا لم يعش حـرّا بمـوطنـه الفتـى فسـمّ الفـتى ميتـا وموطنــه قـبـرا
أحـريتى إنـي اتخـذتـك قبلـــــــــة أوجـه وجهـي كل يـوم لها عشرا
وأما الشـاعـر الأديب السيد أحمـد الهاشمـي ، فإنه يحرض الشعـوب على استرداد ما فاتوا ، وذلك في أسلوب الحكـم والموعظة وهو يقو:
لنا في الشـرق أوطان ولكـن يضيق بنا كما ضاقت لحــود
نقيم بها على ذل وفقـــــــــــر ونظمــأ لا يســوغ لنا الورود
أكاذيب السياســــــــة بينـات تكـيد بها الحكـومـة ما تكــيد
وعـود كلهــا كـــــذب وزور فكـم وإلام تخـدعنا الوعـــود
إذا ما الملك شيد على خــداع فلا يبقـى الخـداع ولا المشيد
وجرح الشرق يضمـده بنـــوه وهـل يتلاءم الجـرح الفصيد
أرى الحرية اختضبت دمــاء وقد خفقـت لطالبها بنـــــود
إذا جعلت لها الأرواح مهـــرًا فإن لمجـدها كتـب الخلـــود
إذا سهـل النزول إلى حضيض يشـق إذا إلى القمـم الصعود
ومن ضواحي بلاد تونس نسمع صرخات الشاعـر أبو القاسم الشـابي وهو يصب جام غضبه وحنقـه على المستعمرين الغاشمين ويقول:
ألا أيهـــــــــا الظالم المســتبــــد حبيب الغنــاء وعــــــدو الحيـاة
سخـرت بأنـات شعـب ضعفــف وكــفـك مخضـوبـة من دمــــاء
وعشـت تدنـس سحـر الوجـــود وتبـذر شـوك الأسـى فــي ربـاه
رويدك لا يخدعنك الربيــــــــع وصحـو الفضاء وضوء الصباح
أثـر المقاومة في فـن الخطابة
وقد حظيت الخطابة العربية بقسط وافـر من نزعات المقاومـة. وهناك خطباء مصاقع مفلقـون ، حركـوا الشعوب بخطبهم التي كانت بمثابة شرر النار. ومن هذا القبيـل السيد محمد السـائح بالمغـرب ، ومن خطبته:
" أبناء وطنـي الكـرام: إن المغـرب اليـوم غيره بالأمس ، وإن ما يرسـم في برنامـج مستقبلـه ليومـئ إلى مرام بعـيدة ، وإن النظـر في العـواقب ثمـرة العقل ،، فعلـى كل فـرد منا أن يجعل هذا نصب عينيه وأن يبذل النفس والنفيس في تغذية أبنائه بلبان العلم ،، فالعلم يحرس الدين ويسهـر على حياة اللغة ويصون المال والولـد ، ولـقد كانت لهم اليد الباسطـة في علم الطب والصيدلة والكيمياء ، وعنهم أخـذها الأوروبيون ، أفلا نسترجـع سـالف مجـدنا وآثار أجدادنا ، بهمتنـا وجدنـا وإليكم معشر التلامذة يسـاق الحديث، وأنتم رجال المستقبل وعليكـم نعلق الآمال ".
وقد قام السيد محمد بن عبد الكـريم الخطابي بطل الثورة الريفية في المغـرب يحث الموطنيين على الجهاد ويدفعهـم إلى ما فيه حرية البلاد وتقـدمها ، وهو يقول:
" إخواننا المسلمين ، ندعـوكـم باسم الرابطـة الدينية أن تهبـوا جميعـا إلى فـك رقابكـم من عدوكم الذي يريـد أن يستعبدكـم بالكيـد والعـدوان ... وإنكـم لتعلمـون أن الفـوز والنصـر للحق ، وهو في جانب المسلم الذي يحامـي عن دينيه ووطنـه ،، وقومـوا قومـة رجل واحـد واعقـدوا الخناصر على مناجـزة العـدو ، فقـد أصبح على شفـا الهـلاك ، و عما قليل ينخـذل الخـذلان الأخير "
ومن أحسن خطب العرب ما يقول السيد سعد زغلـول " لا استعباد ، لا استعمـار ، لا حمـاية ـ لا رقابة ، ولا تداخـل لأحـد في شـأن من شؤوننـا ، هذا ما نريـد ، وهذا ما لا بـد أن نحصل عليه ، وقال أيضا: الإرادة متى تمكنـت من النفوس وأصبحـت ميراثا يتوارثه الأبنـاء عن الآباء ذللت كل صعب ومحـت كل عقبـة ، وقهـرت كل مانـع مهما كان قويـا ، ووصلت عاجلا أو آجـلا إلى الغاية المطلـوبة. " ومن آثاره الخالدة قوله : الحق فوق القـوة ، والأمـة فوق الحكـومة ، إننا إذا احترمنـا أمرا للحكـومـة ، نحترمـه لأنه نافع للأمة ، لا لأنه صادر من تلك القـوة المسيطـرة."
روح المقاومة في القصة والرواية العربية المعاصرة
وكذلك القصة والرواية العربية ، وقد تأثرت كل منهما بملامح المقاومة ، وجاء إبداع الروائيين العرب يرمـز إلى ما أضمـره رجال الاستعمار من العدوان والانتقــام من الشعوب العربية الإسلامية. وفي طيعة الروائيين غسان الكنفـاني ، الذي كـرس حياته كلها لإبراز معاناة الشعوب المضطهـدة إلى الوجـود مما صار عرضة لرصاصات الصهيونية ، إذ اغتـاله رجالها عام 1972. وكان من أروع رواياته : رجال في الشمس ، ما تبقـى لكـم ، عائد إلى حيفـا ، أم سعـد. ومن هذه الروايات تجدر " أم سعـد " بالإشـارة والدراسة. والبطل الرئيسي فيها أم سعـد ناضلت لأجل فلسطين وأرسلت أولادها إليها ، مما تـذكـرنا صنيع الشاعرة الخنسـاء التي أرسلت أبناءها الأربعة إلى حرب القادسية حتى استشهـدوا.
ويتميز السيد محمود درويش باستعمال االرمـوز التاريخية في شعـره للدلالة على واقع الحياة المضطهـدة. وهو يقول في قصيدته " أحـد عشر كوكبا " برمـز " آدم "
" وهذه الأرض ليســت سمــائي ولكـن هذا المســاء مســـائي
والمفاتيح لـي ، والمآذن لي ، والمصابيح لـي
أنا آدم الجنتيـن ـ فقـدتهما مرتين ـ فاطردونـي على مهل
واقتلـونــي على مهــل. "
كما أنه يرمـز بشخصية " يوسف " إلى ما يقوم به الاستعمار من الوحشيات:
" أنا يوسف يا أبـي ـ إخوتــي لا يحبونـني ـ لا يريدونني بينهم يا أبـي ـ يعتـدون عليّ ويرمـونني بالحصى والكـلام ـ يريدوننـي أن أمـوت لكـي يمـدحنني ، وهم أوصدوا باب بيتي ـ وهم طردونـي من الحفل ـ هم سمموا عنبـي يا أبي ـ وهم حطمـوا لعبـي يا أبي "
وفي مقـدمة الروائيين بهذا الصدد: محمود درويش وتوفيق زياد ، وسميح القاسم ، وفدوي طوقـان ، وعز الدين المنـاصرة ، ومحمد حسيب القاضـي. وفي عام 1935 زار الملك سعود بن عبد العزيز فلسطين ، وهناك قال الشـاعر عبد الرحيم محمود ، وفيه استنكاره على الحكام العرب في تساهلم في قضية فلسطيـن.
المسجد الأقصـى أجئـت تزوره أم جئت قبل الضيــاع تودعـــــه
والأديب خليل بيدس في روايته " الوارث" يرسم شخصيات يهودية تتصف بالاحتيـال والكـذب والتدليس . والسيد أحمـد في روايته " الزورق " يوضح التساؤلات الجوهرية حول المظالم والاضطهاد الذي أرسل عنانها الأعـداء. والسيد حسـن يوسف في روايته " فلسطين " يرسم الصور البشعـة للمجزرة البشـرية التي قام بها الصهيونية منذ الخمسينات من القرن الماضي.
وقد كـثرت الإنتاجات الأدبية نثرا وشعـرًا ورواية وقصة لتحريك همم الشعوب وتحميسهم ضد القوات المستعمـرة. ولعل الأدب العربي الحديث أكـثر الآداب العالمية وفـرة بهذا النوع من الآثار الأدبية ، علما بأن العربية عاشت قرونا متوالية تحت وطأة هذه المظالم والوحشيات، وفي فلسطين وحدها بلغ عدد الروايات والقصص التي تصور سلبيات الاستعمار وأمجاد المقاومـة أكثر من ستمائة حتى عام 2010، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأثر الكبير الذي تركه حركات المقاومة في الأدب العربي. وفي ضوء هذا يقـول الأستـاذ د/ شـوقي ضيف : " كأنما تحولت البلاد العربية إلى ما يشبه بركانا ثائرا لا يزال يرمـي المستعمرين حتى يولـوا الأدبار عن ديارنا إلى غير رجعة إلى البحر وما وراءه ، وكم من أنشـودة للحريـة أنشـدها الشعـراء ، يستثيرون بها همم المواطنين حتى يذيقـوا المستـعمـرين وبال أمـرهم." وما دام الشعوب في يقظتهم وإرادتهم القوية ، فإنهم يستعطيعون مطاردة الأعـداء دون مساعدة من غيرهم، وإليه يشير قول السيد جمال الدين الأفغاني حين زار الهنـد ولمس من أمور المستعمرين الإنجليز ما يدهشـه ويحيره وقال وهو يودع الهـند وأهله: " وعـزة الحق وسـر العدل ، لو أن ملايينـكم مسخـت ذبابا لأخـرجت الإنجـليز بطنيـنها من الهنـد، ولو أنكـم انقلبتم سلاحـف وخاضت البحـر إلى الجـزر البريطانية لجذبتـها إلى القاع ".
المراجع:
1. دراسـات في الشعـر العربـي الحديث/ د. شـوقي ضيف
2. أحاديث عن الأدب المغـربي الحديث ، السيد عبد الله كـنـون
3. تاريخ الأدب العربي / السيد حسن الزيات
4. جـواهر الأدب / السيد أحمـد الهاشمــي
5. أضواء على العالم العـربي الجديث ، تحرير د/ عبد الله