مقدّمة
الأدب يصوّر المجتمع والأديب هو ابن عصره والبيئة والجوّ الجغرافي يأثّر كل أديب سواء كان شاعرا أم ناثرا وليس لعمله حياة دون البيئة التي يعشها وهذا العنصر ادّى لاعتبار الشعر الجاهلي ديوان التاريخ الجاهلي.
ومما لا يشك فيه أحد ولا يختلف فيه اثنان أن هناك خسائر ضخمة للحروب والجوانب السلبية التي لا تحصى ولا تحدّ وفي نفس وقته أن الحروب والكوارث والدواهي أخصبت مجالات الفنون خاصّة حقول الأدب وصارت أعمال الأدباء أكثر بيعا في المتاجر والمكتبات ونالوا حظوة عظمى فالحروب جعلتهم أغنياء كما جعلت ضحاياها الفقراء والمعدومين وقد أكلت الحروب والمقاومات بنيرانها الأخضر واليابس وفي وقت نفسه أجادت قريحة الأدباء والكتّاب بالكثير من الأعمال الروائيّة والشعرية التي أثرت المكتبة العربية الأدبية.
وهناك اصطلاحات أدبية محتبكة بعضها مع بعض وقلّما توجد تحليلها وإيجاد الفروق بينها في الدراسات الجارية فيكون الجدير بالذكر عنها باختصار في هذا الموضع ليصبح الموضوع على مائدة هذا البحث أكثر وضوحا وجلاء والاصطلات الأدبية مثل "أدب الحرب" و"أدب المقاومة" و"أدب المعركة" وما إلى ذلك تشكل وتشكّك عند القرّاء والطلاب أحيانا ولكن الحقيقة الواضحة أن هناك إشارات تاريخية معيّنة توجد وراء نشأة ورواج هذه التعابير الاصطلاحية الأدبية في الأدب العربي.
إن اصطلاح "أدب المعركة" شاع وانتشر استعماله بعد حرب السويس 1956م وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية، بينما أن "أدب الحرب" يروج بعد حرب 1967م وسرعان ما أصبح "أدب أكتوبر" بعد معارك أكتوبر إلا أنه عاد وراج "أدب الحرب" ثانية، فيما طغى مصطلح "أدب المقاومة" بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية.
وأما أدب المعركة هو الأدب المعبّر عن التجربة المعايشة وليس من الضروري أن تتناول أرض المعركة ذاتها ولا أن تكون شخصياتها أو أبطالها من الجنود فقط.
ويمكن أن نفرّق بين المقاومة والمعركة أن الأولى تكون دائما عادلة ولكن الثانية تكون عادلة أو غير عادلة وكذلك الأولى تكون فردية أو جماعية وبينما الثانية دائما جماعية.
أن أدب الحرب أو أدب المعركة تهتمّ اهتماما بالغا لأن التجربة فيهما مهمّة لدى أهلها كتجربة الحبّ عند غيرها إضافة إلى ذلك أن التجربة الحربية أكثر وأعمق عاطفة وألما وشدّة وأن الهجرة والفراق والغربة وكل هذه تجيئ إثر هذه التجربة الأليمة.
وقد بدأ الأدب المقاوم في النصف الثاني من القرن العشرين وفي أول وهلة عند سماعه تجيئ إلى الذاكرة أدباء فلسطين تحت الاحتلال وإنجازاتهم ولكن الدراسات الحديثة تضم الحوادث الأخرى تجري في سوريا ولبنان وفي بلدان عربية أخرى إلى قائمة هذا النوع ومن الممكن التوسّع في هذا المفهوم لشموله كل صور القبح والظلم والاضطهاد والتهميش على الأراضي العربية سواء تحت الاحتلال أو غيره.
وعلى أيّ حال أن هذه الحركة الحيويّة على الأقل للنطق والكتابة عن المعاناة والمقاساة شاهدة شديدة على أن العرب يعيشون ويتكلّمون بعدما صاروا صامتين ساقطة أقلامهم ومكبوحة ألسنتهم وصفوة القول هذا النوع من الأدب يلعب بدور سلاح ذي الحدّين والقرائة إضافة الى هذا عن الربيع العربي توضّح الأمور بأكثر دقّة وأدق معنى وهنا يجرأ أن يقول الشاعر الحميري وقت الربيع العربي:
"حكامنا الأنعام (عفوا) إنها لمفيدة...لكننا لم نستفد شيئا من الحكام قبلا...
حكّامنا اللاشيئ (عفوا) إنه ما ضرّنا اللاشيئ لكن ضرّنا حكّامنا قولا وفعلا..!!
من يشتري منّى ملوك المسلمين جميعهم ويبيعني بدل الملوك "حذاء حاكم فنزويلا..."
أدب المقاومة في شعر سميح القاسم
الشاعر الفلسطيني سميح القاسم رحل الى جوار الله في 19 أغسطس الماضي بعدما أبقى أثراته على الأدب العربي وبعدما أثرى المكتبة العربية بكتلة كبيرة من الأعمال القيّمة. ولد الشاعر في قرية الزرقاء بالأردن سنة 1939 ونشأ في قرية الرامة بالفلسطين من حيث خطى خطواته التمهيديّة المهمّة ولم يكتف الشاعر بتحريك قلمه الشعري بل أخذ قلمه لكتابة المسرحية والقصة والترجمة وكانت حياته حافلة بالحيويّة الأدبيّة التي تكفيه لإراحة روحه سرعان ما لصق بالرفيق الأعلى الأزلي.
وكان له علم عميق عن الحداثة وما بعد الحداثة وكانت خطاه دائما مع العالم ومع ما تخطى بها أبناء العصر وأبدى رأيه العميق الحادّ عندما سئل عنها مرّة"هناك فرق بين استهلاك الحداثة وبين الاستحداث، والحداثة تنبع من الداخل وهي ابنة العصر. في هذا الصدد انا ازعم ان الاغلبية الساحقة من افراد امتي ما زالت تراوح في حدود القرن الرابع عشر ووعي القرن الرابع عشر واخلاقيات القرن الرابع عشر وايضا هواجس القرن الرابع عشر".
وإلى هذه النقطة تشير الشاعرة والباحثة سلمى الخضراء الجيوسي عن سميح القاسم " الشاعر العربي الوحيد الذي تظهر في أشعاره ملامح ما بعد الحداثة".
سميح القاسم يشترك مع محمود درويش في الحزب الشيوعي وتطويره وتقديم عددا من أشعار المقاومة للعالم العربي.
وفي المدّة التي عاشها الشاعر نال على عدّة من الجوائز والاعترافات والتقديرات من قبل دول عديدة ومن قبل جهات معنيّة بها مثل جائزة "غار الشعر" من إسبانيا و"جائزة نجيب محفوظ" من مصر، و "وسام القدس للثقافة" من الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات وما إلى ذلك.
ومن أعماله: مواكب الشمس(قصائد)، أغاني الدروب (قصائد)، دمي على كفّي (قصائد)، قرقاش (مسرحيّة)، عن المقف والفنّ (نثر) وغيرها من القصائد والمسرحيات.
الشاعر سميح القاسم سوّد بياض صفحات ذكرياته عندما رحل فحل الشعر الفلسطيني محمود درويش بكلماته هذه:
"تخلّيت عن وزر حزني
ووزر حياتي
وحمّلتني وزر موتك
أنت تركت الحصان وحيدا...لماذا؟
وآثرت صهوة موتك أفقا،
وآثرت حزني ملاذا
أجبني..أجبني..لماذا؟.."
الطبيعة العامّة تتجلّى في أعمال الأدباء الفلسطينين هي وجود التراث الديني وهذا تأثير البيئة والطبيعة والجوّ الذي يعيش فيه الأديب كما أشرت إليه سابقا وهذا واضح كل الوضوع في أشعار صاحبنا سميح القاسم أيضا ويقول في قصيدته "صوت الجنة الضائع":
نحن من بعدك شوق ليس يهدا
و عيونٌ سُهّدٌ ترنو و تندى
و نداءٌ حرق الأفقَ ابتهالاتِ و وجْدا
عُدْ لنا يا طيرنا المحبوب فالآفاق غضبى مدلهمّه
عد لنا سكراً و سلوانا و رحمه
عد لنا وجهاً و صوتا
لا تقل: آتي غداً
إنا غداً.. أشباح موتى !!
الشاعر سميح القاسم ينظم أشعاره بأساليب سلسة وبلغة فصحى في أكثر الأحيان وأسطره يأخذ القراء الى عالم كان الشاعر فيه عند قرض أبياته كأن أسطره تتحرّك وتحيى وهذا دائما أحيى شاعرنا بين الآخرين وأحياه حتى بعد موته وهذه بعض الأبيات تقول بلغة سهلة عن أمور عظيمة شأنها:
و كلّ ما تبغيه.. حتماً يصير
إن شئت.. فالليل صباح منير
أو شئت.. فالقفر ربيع نضير
و القبر إن ترغبْ.. حياةٌ و نور
و اطلب.. ففي الجلمود يصفو غدير
و الآن ! يا نجلَ العلى يا أمير
يا عالي المقامِ.. يا .. يا خطير
يا تاجَ رأسي.. يا زعيميَ الكبير
إسمحْ لهذا الشيء.. هذا الفقير
إسمح له بكلمةٍ لا تضير
عندي سؤالٌ مثل عيشي حقير
أرجوك أن تسمعه، ألاّ تثور
من أين هذا المال.. يا (( مليونير )) ؟!
وهذه الأبيات تكفي لجذب انتباهاتنا الى ما هو كان عليه الشاعر سميح القاسم وكان فراقه على أي حال فجوة تستحيل سدّها من بعد وفي حياته الأدبية الضخمة جاءت إليه أوسمة وجوائز عديدة ومنها: " غار الشعر" من إسبانيا وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي، وحصل على جائزة البابطين وحصل مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة "السلام" من واحة السلام، وجائزة "الشعر" الفلسطينية وما إلى ذلك من التقديرات والجوائز.
وله أعمال مشتات في فنون مختلفة منها في الشعر والمسرحية والسربيات والحكايات وغيرها، ومن أعماله الشعرية: مواكب الشمس، أغاني الدروب، دمي على كتفي، دخان البراكين، سقوط الأقنعة، الموت الكبير وغيرها.
ومن سربياته: إرم، مراثي سميح القاسم، إلهي إلهي لماذا قتلتني؟، الصحراء، خذلتني الصحراء، كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه وغيرها.
ومن المسرحيات: قرقاش، المغتصبة وغيرهما، ومن الحكايات: الى الجحيم أيها الليلك، الصورة الأخيرة في الألبوم، ومن أعماله الأخرى: عن الموقف والفن (نثر)، من فمك أدينك (نثر)، كولاج (تعبيرات)، مطالع من أنطولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام (البحث)، الرسائل بالاشتراك مع محمود درويش (الرسالة).