شبه القارة الهندية لا تزال تعتبر مركزا للثقافة الإسلامية والعربية منذ القرن الأول الهجري، وإنها أنجبت الكواكب من العلماء الذين طار صيتهم شرقا وغربا في شتى العلوم والفنون، واللغة العربية في شبة القارة الهندية التي كانت لغة الدين والعلوم والفكر، لم يتعد نفوذها خارج إطار العلوم ولم تتح لها فرصة التداول والتدخل في شؤون الحياة كما كانت شأن الفارسية آنذاك. ولكن للأدب العربي من حيث الشعر والنثر نصيب وافر. أما الشعر في شبه القارة الهندية فاعترفه العرب، وشعراءها المفلقون نالوا عزا وشرفا في الآفاق من أمثالهم: الشيخ مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري (ت-515ه)، والشيخ أحمد بن محمد التهانيسري (ت-820ه)، والشيخ عبد الجليل الواسطي البلكرامي (1071-1138ه)، والشيخ طفيل محمد بن شكر الله الحسيني (1073-1151ه)، ومولانا غلام علي آزاد البلكرامي (1110-1200ه) صاحب "السبع السيارة" الملقب بحسان الهند لقصائده المتعددة في المديح النبوي، والشيخ فضل حق الخيرابادي (1212-1278ه)، والشيخ فيض الحسن السهارنفوري (ت-1304ه) وغيرهم.
إن العاصمة الهندية مدينة دلهي لها تاريخ مشرق وإسهامات جليلية في ترويج اللغة العربية وآدابها وإنها تمتاز بشعراءها والهند تفتخر بهم من أمثال: أمير خسرو (651-725ه)، نصير الدين جراغ الدهلوي (ت-757ه)، والشيخ عبد المقتدر الشريحي (703-791ه) المشهور بلاميته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم التي عارض بها لامية الطغرائي، وشاه ولي الله الدهلوي (1114-1176ه) صاحب قصيدة البائية في مدح سيد العرب والعجم، والمفتي صدر الدين الدهلوي (1204-1285ه). أما الشعراء العربية لمدينة دلهي خلال القرن العشرين فكانوا أولئك الذين سلكوا على نهج أسلافهم في قرض الشعر، ولذا لم نستطع أن نعثر على شخصية اشتهر كشاعر عربي في معنى الكلمة، بل كان معظمهم اشتهروا بفرع من فروع العلم كالفقه والحديث والتفسير والطب أو غير ذلك، والشعر كان على هامش حياتهم يعبرون عما يدور في خلدهم ومن هؤلاء الشعراء:
1- حكيم أجمل خان (1868-1927م، 1284ه-1346هـ) المعروف بمسيح الملك : وحاذق الملك ، أحد الماهرين في الصناعة الطبية. زار سوريا وفلسطين ومصر، له مشاركات في العلوم الأدبية، صنف له العلامة محمد طيب المكي والرامفوري "النفحة الأجملية في الصلات الفعلية" واختير عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، من مصنفاته: القول المرغوب في الماء المشروب، وإزالة المحن عن اكسير البدن، وإيقاظ النعسان في أغاليط الاستحسان، والتحفة الحامدية في الصناعة النكلسية، والأوراق المزهرة والساعاتية، وله رسالة في الطاعون، ورسالة في النحو، ورسالة في تركيب الأدوية، واستخراج درجاتها، وله المحاكمة بين القرشي والعلامة، وله حاشية على شرح الأسباب إلى السرسام، وله اللغات الطبية والمحمودية مقدمة اللغات الطبية، وله خطب مبتكرة بالأردو، ومقالات معجبة في السياسة، ومختارات في المسائل الطبية.
ومن شعره قوله:
ســعـــــاد ســـافــرت وبقــيــت وحــدي أقاسي نار هــــــجر وابتعـــــــــــاد
وكنا في الحــــديقة في اجتـــــمــاع قضينا بعــــــــــد ذلك بانفــــــــــراد
فغابت شمسها في الغرب حتى بهت وعينها صادت فؤادي
كأنـــــــي ذات لـيل فـــــي منــــامــي طويل الفـــــــرع مجتمـــــع الوداد
2- الشيخ كفايت الله الدهلوي (1875-1953م، 1292هـ-1372هـ) المعروف بـ مفتي كفاية الله، أحد كبار العلماء، كان قوي العلم عالماً متقناً ضليعاً طويل الباع، راسخ القدم في الفقه، عظيم المنزلة في الإفتاء وتحرير المسائل وتنقيحها، يكتبها بعبارة وجيزة متينة، وكان دقيق النظر في المسائل والنوازل، جيد المشاركة في الحديث وصناعته، له ذوق في الأدب العربي، وقدرة على قرض الشعر، بارعاً في الحساب والعلوم الرياضية، جيد الخط، كثير التواضع قليل التكلف، وقوراً رزيناً، له أربعة أجزاء في تعليم الإسلام لتعليم الدين لأطفال المسلمين طبع مراراً، كما له مجموع فتاواه باسم كفاية المفتي في مجلدات كبار. ومن شعره العربي ما قاله عن شيخه العلامة محمود حسن الديوبندي حين كان أسيراً في مالطة:
ألا يا مالطة طوبى وبشرى ثـــــوى بك من محـــــا آثار كفر
ولـــــم تك قــــبلـــــه إلا خــــــرابا خمـــــــــــولاً غير معــــــــــــروف بخـــــير
فلما حلها عادت رياضــــــاً منضرة مــن التقــــــــوى وذكـــــــــــر
مـــــكـــــــللة بأزهار المـــــــــــــــــــزايا وأزهار الـــمزايا خــــــيــــــــر زهـــــــــــر
ألا يا مالطة كوني ســــــلاما على محمودنا الراضي بقــــــــــــدر
إمام الخلق قدوتهم جميـــــــعاً له كـــــــرم إلى الآفــــــــــــــاق يسري
جنيد العصر سري الزمان غيوث فيوضه تهمي وتجـــــــــــري
فريد في خلائقه العــذاب وحيد في التقى من غير فخر
أشـــــــــــد الناس أمثلهـــــــــــــم بلاء فيا شمس الهدى يا طود صبر
ذكرنا يوسف الصــــــــديق لمــــــا أسرت بغير استحقاق أســـــــر
لحر البين في صدر الكئيب تفيض دمــــــــوعه حمراً كجـــــمر
سينـــــزلك الـــــعزيز محـــــل عــــز ويضــــــرك النصـــــير أعــــز نصر
سيكفيك الإلـــــه فأنت مرء كــــــفاك الله قــــــدماً كــــل شـــر
3- الشيخ نذير أحمد الدهلوي (1831-1902م، 1247هـ-1330هـ)، أحد الأدباء المشهورين. كانت له اليد الطولى في العلوم العربية، كان خطيباً بارعاً، لاذعاً في النكت، كثير التهكم، قد أيد حركة السيد أحمد خان التعليمية وانتصر لها بخطابته ومحاضراته، وأعان خليفته النواب محسن الملك، وكان ذا عناية بتنمية الأموال وتثميرها مقتصداً في إنفاقها، حلو الحديث فكه المحاضرة، كثير الدعابة، خفيف الروح، حاضر البديهة، زار الأمير حبيب الله خان والي أفغانستان الهند، فقابله الشيخ نذير أحمد في دهلي، وقد اجتمع العيد مع الجمعة.
فأنشده:
عيد وعيد وعيد صرن مجتمعه وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة
ففرح الأمير بحسن اختياره، وحضور بديهته، وأقبل عليه يقبله ويعانقه ويبالغ في الثناء عليه.
وله مصنفات ممتعة، أحسنها ما يغنيك في الصرف في التصريف، ومبادىء الحكمة في المنظق، والحقوق والفرائض، وكتب روايات عديدة في الأردية منها: مرآة العروس، وبنات النعش، وتوبة النصوح، وابن الوقت، والأيامي، كلها روايات أخلاقية تجمع بين الأدب والعلم، وتعليم الدين والأخلاق، وتلقيت بقبول عظيم وله أبيات رقيقة رائقة بالعربية.
منها قوله في مدح سر وليم ميور:
تمــــنيت أن القـــلب كان لسانـــــــي يبوح بسر يحتويه جـــــنـــانـــــــي
فإني إذا ما رمت إظهار شكركم تقصر عنه منطقي وبيــــــــــاني
ولم أر قبـــلي قــــــــط من نال غاية تخلف عنها أهل كل زمــــان
يلاطـــــفه بحـــــــــــــر الندى وعـــبــــابــــه ويكرمه ليث الوغى وطعان
دعـــــــاني فأدناني وأعـــــلـــى محلـــــتي وأجلسني من قـــــــربه بمـــــكان
وزودني مــــــا إن تنـــــــوء بعـــــصبـــــــــة أولــــى قوة لهذ أشــــق عــــــوان
نقودي فلي في ألفه ألف حاجة قضاء ديون وافتكاك رهان
وغيرهما ما لا أكاد أعــــدها وذا ساعتي صيغت من العقيان
أقلدها جيدي ليعلم أنــــــــني لســــــر وليـــــم في ربقة الإحســـــان
وله في قدوم الأمير حبيب الله خان ملك أفغانستان:
جمعت فيك التقى والملك والأدبا والله إنا نـــرى في شأنك العــــــــــــجبا
ذكــــرتنا الخـــــــلفاء الراشدين فـــــــــدم على الهدى وتبع منهاجهم رغبــــــــا
إنا لـــــفــي زمن في أهــــــــلــــــه خبــــــــل لا يحسنون اكتساب العلم والطلبا
لا سيما المسلمون الغافلون فهم يرجون أجراً ولا يقضون ما وجبا
الـــــــدهر ذو خول والمرء مــــــرتهـــــن يجزي سواء بما ألــــــغى ومــــا كسبا
الله قـــــدر في الــــــدنيا بحكـــــمتـــــــــه لكــــــل واقـــــعة أو حــــــــــادث سببا
الأمـــــــر والحكـــــــــم أيام مـــــــداولــــــة بين الخـــــلائق والدنيا لمـــــــــن غــــلبا
الحـــــرب ترفـــــع أقواماً وتخفضهـــم وإن للناس في تسليــــــــــــطهم نوبا
أما الحــــــديث فقد زالت مهابته كن حامل السيف أو من تحمل الخشبا
4- حكيم عبد المجيد خان (1266-1319هـ، 1901م ) المشهور بحاذق الملك كان من كبار الأطباء، ولد ونشأ بدهلي. وكان يساند السيد أحمد خان في حركته التعليمية، كما كان يقود حركة النشر الطب اليوناني ، قرض قصيدة في مدح السيد أحمد خان
أيا من ليس مثلك في الرجال لقــــــد نلت المــــــرام بكلّ حــــــــال
وقد أوتيت مــــــكرمة وعــــــــــــــزا ورأيا صــــائبا مـــــن ذي الجــــــلال
هديت لنا صراطا مستقيمـــا إلى كسب المـــــــــــكارم والمـــــعــــــالي
مواعظك البليغة معجـــــزات سحرت القوم بالسحر الحلال
لقــــد نبهتنا عن نوم جهـــــل وكنّا فــــــي ظلامــــــات الضــــــلال
حزمت العزم للفوز الكريم ولو سبّتك سفهاء الــــــــرجال
أتيت برفقة إخوان صــدق أولي ذوق سليـــــــم والكــــــمال
لنفع حماة دين الحق جمـعا هم الساعون بالهمم الأعالي
وكل منهـــــم ذمـــــــر ذكــــــــــي وفحل العلم بالعذب المقـــال
وسيد قومنا فيهم كبـــــــــــدر يضئ بحسن قول والفــــــــعــــال
مراجع
1- الحسني عبد الحى الندوي، الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر.
2- عبد الغفار القاضي،حيات أجمل، مدينة بريس-بجنور.
3- روداد محمدن ايجوكيشنل كانفرنس إجلاس سوم 1888م.
4- الثقافة العربية في الهند بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي (الهند)، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية-2015م.
5- مالاني ألطاف أحمد، الشعر العربي في الهند في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين أغراضه وخصائصه، مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية- 2016م.
6- المعصومي أبو محفوظ الكريم، ہندوستان کے عربی کے شعرا پر ایک نظر، معارف/3 ج/65، دارالمصنفين أعظم كره- الهند.