هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) مستشرق ألماني، وهو مؤسس ورئيس "الجمعية السويسرية للشرق الأوسط والعالم الإسلامي". وهو أكثر مترجمي الأدب العربي المعاصر في المنطقة التي تتحدث باللغة الألمانية. وقد ترجم فندريش إلى الألمانية حتى الآن ما يقارب من ستين رواية من كبار الأدباء المعاصرين كنجيب محفوظ، وإملي نصر الله، ويوسف إدريس، ويوسف زيدان، وغسان كنفاني، ورجاء غانم وغيرهم من كبار الروائيين العرب.
قبل أن نعرف بشخصية هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) وأعماله في حقل الترجمة فعلينا أن نفهم مدرسة الاستشراق الألماني ومساهماتها في اللغة العربية وفي ترجمة الأدب المعاصر.
مدرسة الاستشراق الألماني
الاستشراق (Orientalism) تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق: ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم وأدبهم ولغتهم. وعرف البعض الاستشراق أيضا بأنه: ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي . وأحيانا يقصد به "ذلك العلم الذي يتناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب" .
المدرسة الاستشراقية الألمانية فقد تنوعت على أقطارها وأهدافها وخصائصها كما إنها لم تكن نتيجة لأهداف سياسية واستعمارية. ولم تكن وثيقة الصلة بالأهداف الدينية التبشيرية كدول أخرى: فرنسا، وإنكلترا، وإيطاليا وغيرها، بل على العكس كان الألمان على علاقة طيبة بالدولة العثمانية، والعالم الإسلامي في الحرب العالمية الأولى (1914-1919م) .
أهم إنجازات المدرسة الألمانية: لعبت المدرسة الاستشراقية الألمانية دوراً هاماً في مد جسور التواصل الحضاري بين العالم العربي وأوربا، وقد كان لهذه المدرسة فضل كبير في نشر كثير من المخطوطات وتحقيقها، وطباعة كتب التراث العربي والإسلامي، وتأليف الكتب والدراسات حول الفكر العربي والإسلامي. واهتمام بالمعاجم العربية، وترجمة القرآن الكريم ونشر اللغة العربية في ربوع ألمانيا وترجمة الأدب العربي المعاصر إلى الألمانية وغرها.
المستشرقون الألمان والأدب العربي المعاصر
قبل سنة 1988م، لم يكن معترفاً بالأدب العربي المعاصر عالمياً، فعندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل، أصبح هناك اهتمام كبير بالأدب العربي. فترجمت المترجمة الألمانية دوريس كيلياس (Doris Kilias) ما يقارب من أربعين رواية للكاتب نجيب محفوظ في اللغة الألمانية، وترجمت أعمال محمد شكري وجمال الغيطاني وغيرهم.
والآن نجد قائمة طويلة من الأدباء العرب والمستشرقين في حقل الترجمة من العربية إلى الألمانية كمصطفى ماهر هو المترجم المصري الذي أسس أول قسم للدراسات الألمانية في العالم العربي، ونقل إلى الألمانية نحو أربعين عملاً من الأدب العربي المعاصر . ونقل فاروق بيضون وكمال دسوقي "يوميات الحزن العادي" لمحمود درويش إلى الألمانية سنة 1978م في برلين، ومجموعة أشعار درويش "عاشق من فلسطين" التي ترجمته السيدة يوهانا وقرينها مصطفى هيكل، وترجمت المستشرقة الألمانية آنا ماري (Annemarie Schimmel) أربع قصائد له أيضاً . وهي تعاملت مع التراث العربي والإسلامي، خصوصاً من زاوية بحثها في التصوّف الإسلامي، الذي اتكأت عليه للحديث عن الحوار بين الأديان المختلفة والحضارات العديدة . ود. جونتر أورت (Dr. Günther Orth) المترجم الألماني يولي اهتماماً كبيراً بالأدب العربي حيث نقل كثيرا من القصص القصيرة والقصائد العربية إلى الألمانية كأعمال محمود درويش، وأدونيس، وعباس بيضون، ورشيد الضعيف وغيرهم. وهو شارك كباحث في مشروع موسوعة حول الشعر الفلسطيني في جامعة برلين . وأن د. غونتر أورت (Dr. Günther Orth) درس العربية في "جامعة إيرلانن"، وتخصص في الأدب العربي الحديث والترجمة، وحاز درجة الماجستير من "جامعة دمشق"، ثم نال درجة الدكتوراه في الأدب القصصي اليمني.
و ساندرا هتزل (Sandra Hetzel) وهي مترجمة أدبية وباحثة تتمركز على الأدب العربي المعاصر. فقامت بترجمة الرواية العربية والقصة القصيرة ونقلت أيضا الشعر العربي لرشا عباس ، كاظم خنجر، عارف حمزة، عبود سعيد. وهي ترجمت أكثر من عشرين مسرحية إلى الألمانية، منها محمد العطار، ومايا زبيب. وهي مؤسسة مجموعة 10/11، هذه مشروعة لنقل الأدب العربي المعاصر، خاصة ترجمة أعمال الأدباء المعاصرة من سوريا، أجبرتهم الحرب الأهلية إلى ترك وطنهم الحبيب وأصبحوا لاجئين في أوربا عامة وألمانيا خاصة .
ولاريسا بندر (Larissa Bender) وهي مترجمة صحفية ألمانية تتقن اللغة العربية وتدرسها في عدة معاهد بألمانيا، وهي تهتم بالشأن السوري لأنها مضت عدة سنوات من عمرها في دراسات اللغة العربية في سوريا، ونقلت إلى اللغة الألمانية رواية "عزازيل" للروائي المصري الشهير يوسف زيدان، وسلسلة "مدن الملح" للروائي عبد الرحمن منيف، وهي أيضا ترجمت رواية "يوميات الثورة السورية" لسمر يزبك من سوريا، و"مطر حزيران" لجبور الدويهي من لبنان، وصدرت أعمال كثيرة أخرى عن أهم مساهمة الطبعة الألمانية.
وخلال العقد الأخير نجد جماعة من الكتّاب العرب خاصة بعد هجرتهم من سوريا بعد الحرب الأهلية السورية، ابتدأوا مسيرتهم الأدبية في الترجمة من العربية إلى الألمانية، كما نشرت ترجمات للرواية العربية لروزا ياسين حسن، وممدوح عزام، وفواز حداد وغيرهم. و نجد إسهاماتهم أيضا في نقل الشعر كما تم إصدار ترجمة للشاعر عبود سعيد، ورامي العاشق شاعر فلسطيني وغيرهما. ونجد أيضاً جيلا من المهاجرين الشباب، الذين يكتبون بلغات أوربية أخرى بجانب اللغة العربية فقدموا الأدب العربي للغرب، فيجعلون الأدب العربي معروفاً عالمياً، وإذا صح القول "اتسع نطاق عالميته بترجمة أعماله".
هارتموت فندريش ومساهمته في الترجمة
هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) عمره سبعين سنة وقد بدأ حياته في الترجمة بأعمال غسان كنفاني "رجال في الشمس" و "عائد إلى حيفا"، كما قال فندريش: "اخترت كنفاني بسبب السجالات التي كانت تدور في ألمانيا وأوروبا بشأن الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد حصار بيروت 1982م، وهذا هو ما شجّع بعض الناشرين في ألمانيا إلى الاهتمام بالأدب العربي عامة، والأدب الفلسطيني خاصة" فقد اشتاق الأوروبيون إلى معرفة ما يقع ويحدث في المنطقة العربية، فقصد المثقفون إلى الأعمال السردية من الرواية والمسرحية والقصة القصيرة لفهم تاريخها وثقافتها وحضارتها، وهذا بدوره يحيل على علاقة السياسة بالأدب والنشر والانتشار في الغرب.
الدراسة والتكوين: ولد هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) في مدينة توبينغن بألمانيا سنة 1944م. أولا تعلم العلوم الإسلامية واللغات السامية، والفلسفة من توبنجن ومونستر بألمانيا، وفي لوس أنجلوس، وفيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم أصبح مدرّس اللغة العربية وتاريخ الثقافة الإسلامية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ من سنة 1978م، وهو يدرّس أيضا كأستاذ زائر في جامعات أوربا العديدة: جامعة فرايبورج بألمانيا، جامعة ليون بفرنسا، وجامعة نابولي بإيطاليا.
المسار الأدبي: له مؤلفات عديدة منها: -"ما علاقة الأدب باللغة؟ الجزائرية مثلا " سنة 2017م، "ترجمة أم نقل؟" سنة 2016م، و"الأدب العربي المعاصر - خواطر قليلة" سنة 2014م، و"ما هو النثر العربي المعاصر" سنة 1998م وغيرها.
الجوائز والأوسمة: مع التقدير والتكريم الذي حظي به فقد تلقى فِندريش جوائز عديدة من البلدان العربية وأوربا لإسهاماته في الترجمة، كما حصد جائزة خاتم هيرونيموس (Hieronymusring) من رابطة الكتاب الألمان سنة 1995م، ومنحة الترجمة المقدمة من المؤسسة الثقافية السويسرية (Pro Helvetia) سنة 2001م. وجائزة الترجمة من جامعة الدول العربية لترجمة الأدب العربي المعاصر إلى الألمانية سنة 2004م، وتم تكريمه سنة 2006م من قبل المجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة المصرية لـ "للخدمات المقدمة للأدب العربي كمترجم"، وكان عضوا لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية سنة 2008م، وحصل على جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة من جانب المملكة العربية السعودية سنة 2009م وجائزة الترجمة الخاصة للجوائز الأدبية السويسرية سنة 2016م. وحصل على "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" في قطر تقديراً لعمله سنة 2018م.
مساهمته في الترجمة: منذ سنة 1982م بدأ هارتموت فِندريش (Hartmut Fähndrich) رحلته في حقل الترجمة من العربية إلى الألمانية بأعمال غسان كنفاني، وسحر خليفة. وما زال يترجم الأدب العربي المعاصر، ويبلغ عدده أكثر من ستين رواية أو مسرحية أو قصة لكبار الكتاب من العرب: جمال غيطاني، صنع الله إبراهيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، وإدوارد الخراط، علاء الأسواني، إبراهيم الكوني، على سبيل المثال ولا الحصر. وفي التالي نذكر ستة كتب فقط من أعماله المترجمة من القائمة الطويلة التي تبلغ إلى ستين.
Das Land der traurigen Orangen: قد ترجم مجموعة قصص "أرض البرتقال الحزين" لغسان كنفاني سنة 1983-1984م، ونشر من مدينة زيوريخ بسويسرا. وهو أول عمل في الترجمة من جانب السيد هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) من الأدب العربي المعاصر . والأديب يشبه البرتقال بكل ما تركه الفلسطينيون وراءهم عندما أُجبروا على ترك وطنهم ويصبحوا لاجئين في هذه القصة. كانت الأرض الساحلية مزروعة بحدائق البرتقال في فلسطين وتكاثرت زراعة البرتقال قبل النكبة سنة 1948م. البرتقالي رمز للأمة الفلسطينية لأنه كان يمثل "منتج فلسطين" للعالم كله. وعندما قبضت اليهود على المدن الفلسطينية الساحلية، لم تكتف الطاقات الصهيونية بالسيطرة على جميع حدائق البرتقال في فلسطين فحسب، بل قبضت على رمز "برتقال يافا" أيضا. وخسارة الأمة الفلسطينية على يد اليهود، وخسارة بساتين البرتقال كلها تمثلت كلما تركت وراءها. فأصبح اللون البرتقالي علامة للوطن العربي المفقود هو فلسطين.
Die Sonnenblume: ترجم رواية "عباد الشمس" لسحر خليفة مسمى باسم (Die Sonnenblume) في اللغة الألمانية سنة 1986م . قصة هذه الرواية مشتملة بثلاث نساء فلسطينية: الأولى اسمها سعدية، وهي إمرأة أرملة، تربى أطفالها وحيدا، وتعول نفسها بينما تحارب الملاحظة النقدية والحديث السيئ من أسرتها وجيرانها. والثانية اسمها خضرة، وهي إمرأة عاهرة أو فاجرة وهي لا تهتم بما يعتقده الناس عنها بعد أن هرب زوجها وذهب مع أطفاله إلى الأردن. والمرأة الثالثة اسمها رفيف، وهي صحفية تفكير مستقل. نجد في الرواية صورة المرأة في الشرق الأوسط حيث تجاهد كل إمرأة لحقها في المجتمع العربي.
Flug gegen die Zeit: هذه ترجمة رواية "الإقلاع عكس الزمن" لإملي نصرالله، نقلها هارتموت فندريش إلى الألمانية سنة 1991م وصدرت من مدينة بازل بسويسرا . صدرت هذه الرواية أولا في بيروت في اللغة العربية باسم "الإقلاع عكس الزمان" سنة 1981م. وهو موافق ومناسب اليوم كما كان في ذلك الوقت. وهي صورة رائعة لتجربة المهاجرين من لبنان إلى كندا (Canada)، بطل القصة رضوان، وهو قروي عجوز لبناني، اختار العودة إلى وطنه الحبيب (لبنان) الذي مزقته سلسلة من الحرب بعد زيارة أطفاله الكبار هم ناجحون للغاية في المجتمع علما وعملا ومالا في الوطن الجديد. يرسم نصرالله بتجربة الحقيقة والخيال. هذه القصة تصور لبنان الحاضر. وهوعمل ممتاز يجسد قوة الرواية العربية المعاصرة وهي الهروب مع الزمن، ويعكس المشاعر الإنسانية والعواطف الوطنية التي يختبرها جميع المهاجرين.
Die Sünderin: هذه ترجمة رواية "الحرام" ليوسف إدريس، صدرت سنة 1995م من مدينة بازل في سويسرا. تدور القصة حول التحقيق في قتل طفل رضيع عُثر عليه في قرية زراعية مصرية. لا يقوم المؤلف فحسب بعمل رائع يقود القارئ خلال المهمة الشاقة المتمثلة في العثور على الأم المجهولة التي ارتكبت بالجريمة، بل يصور أيضًا قصة عن الحياة الزراعية في مصر خلال الخمسينيات من القرن التاسع عشر، ومعتقدات سكان البلدة حول الخطيئة والخاطئين، وكيف يمكن لحدث مأساوي أن يقود المجتمع إلى التخلي عن خلافاته. هذا الكتاب للفلاحين المصريين الذين عملوا في مزارع القطن أو الشخص الذي ليس لديه علم حقيقي ورأي سليم عن مصر وثقافتها القديمة وحضارتها الثمينة. يعكس يوسف إدريس صورة للعقل تجعل المرء يشعر كما لو كان.
Das junge Kairo: هي ترجمة "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ، ترجم السيد هارتموت فندريش هذه الرواية سنة 2011م . وهي قصة لأربعة شبان، لم يكملوا دراستهم الجامعية. اجتمعوا لمناقشة الأنباء والأحداث الجارية في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، البطل الرئيسي للرواية هو محجوب عبد الدايم، شخصيته متسلقة وصولية. وشخصيتين أخريين هما مأمون ورضوان الذين يمثلان التيار الدينى، يرى مأمون كل شيء من وجهة نظر روحانية إسلامية، ويرى علي طه من المثل الاشتراكية. تنتهي القصة بالتركيز على شخصية محجوب، صعوده وهبوطه. يستكشف دور الفقر وعدم المساواة في إفساد السياسة والمجتمع في مصر، وسؤال المبادئ الأخلاقية. ويعكس نجيب محفوظ المجتمع العربي بأسلوب واقعي.
Frankenstein in Bagdad: هي ترجمة الرواية الشهيرة "فرانكشتاين في بغداد" للكاتب أحمد سعداوي في بغداد سنة 2013م، ترجمها هرتموت فندريش ونشر من مدينة برلين بألمانيا سنة 2019م . حصلت على جائزة البوكر العربية سنة 2014م. رواية "فرانكشتاين في بغداد" كما يشير اسمها إلى أحداث تقع في بغداد، ما بعد رئيس العراق السابق صدّام حسين ودخول القوات الأمريكية أرض العراق، بعد الانفجارات التي كانت تحدث بشكل مستمر هناك حيث هادي العتّاك بطل الرواية، في يوم واحد بدأ في إحضار أشلاء الجثث التي تُركت في الشوارع بعد انفجارات القنابل المتسلسلة. إنه يشعر أنهم مستحقون دفنًا مناسبا. فبدأ في خياطة أجزاء الجثث معًا، على أمل أنه إذا تمكن من إنشاء جسما كاملا، فسوف يقوم شخص ما بدفنها. استطاع الكاتب في هذه الرواية أن يُعبّر عن واقع وطنه الجريح بالخيال.
أسلوب الكتابة مسلية بشكل قاتم، مما يجعل الموقف الكئيب أكثر احتمالاً. يستمر السرد في المضي قدمًا إلى الخلف، مع إعطاء وجهات نظر مختلفة حول نفس الأحداث. إنها قصة ذكية للغاية ورواية رائعة للقصص.
أسلوبه في ترجمة الأدب العربي: يسعى السيد هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) في نقل الأدب العربي إلى هدف جمالي. وهو يحاول في النصوص الأخرى في اللغة الألمانية الالتزام بالدقة والأمانة، مع احترام بترتيب سلاسة النص الأصلي، كما هو معلوم لدى الجميع، أن المترجم ليس شريك الكاتب في اختراع النص الأصلي، ولكنه هو كاتب النص باللغة التي يترجم إليها. فتتم الترجمة بطريقة تحترم أسلوب الكلام العربي، مما يسمح للقارئ الناطق بالألمانية بتقدير بناء جملة أكثر شاعرية وفي بعض الأحيان توقف. وطوال ذلك الوقت يجعل القارئ قريبًا من الراوي.
إن طريقته في نقل الرواية لا تختلف عن المترجمين الآخرين في اللغة الألمانية: وهي قراءة الكتاب في البداية، ثم ترجمته أولية، وما بعد ذلك، العمل في أسلوب اللغة التي ننتقل إليها وتحليل الإشكاليات اللغوية ومشاكل المحتوىات والمضامين، ثم اتجاه الأسئلة للمؤلف، وفي الأخير إنجاز الترجمة.
مشكلات الترجمة من العربية إلى الألمانية: يقول هاتموز فندريش (Hartmut Fähndrich) : في الأغلب لم أجد صعوبة في ترجمة ما يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية: الملابس والمأكولات كما هناك أشياء كثيرة لا توجد في اللغة الألمانية، فأبحث أو أبتكر معادلاً ألمانياً لتلك الأشياء. وأضاف بقوله "في كل ترجمة نفقد شيئاً ونربح شيئاً". وأشار إلى كلمة "بيت"، إذا نقلتها إلى الألمانية فتفقد الكلمة دلالات عدّة من معانيها العربية الخاصة، هل البيت هو معنى المنزل؟أم معنى الشقة؟ أم معنى المبنى؟ أم معنى بيت الشعر في القصيدة؟ وبالمقابل كلمة (Haus) في اللغة الألمانية لها معانٍ مختلفة مستعملة. هكذا توجد صعوبات تتعلق بتعقيدات أسلوبية يلجأ إليه الكتاب من العرب. وقدم مثالاً "المتشائل" هذه رواية لإميل حبيبي، ثم "الزيني بركات" رواية لجمال الغيطاني. كان ترجمة الأسلوب اللغوي فيهما من العربية إلى الألمانية عمليةً صعبة جدا بالنسبة إلي. ثم في المقابل، لم أجد أي صعوبة في ترجمة “عمارة يعقوبيان”، للأديب المصري علاء الأسواني فهي رواية يكتبها الكاتب بلغة بسيطة،. وهناك نجد مشكلة أخرى عند الترجمة إلى الألمانية وهي تركيب الجمل (Syntax) قائم في نفس اللغة ولها قواعد دقيقة جداً فقال السيد هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) : لا أستطيع أن أحيد عنها، وفي الوقت نفسه أحاول أن أماثله بالتركيب العربي إلى أقصى حد ممكن، فالقارئ الألماني يحس أن يقرأ كتاباً باللغة الألمانية .
ويقول السيد هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) : في الحقيقة، المترجم هو حامل للنص من شاطئ نهر إلى الشاطئ المقابل، لأن المترجم لديه القناعة أن نص أي كتاب يحتاجه القارئ من اللغة الأخرى ولابد أن يقرأه ويفهمه. فلهذا السبب يغير ويحوّل المترجم النص عند عملية الترجمة، ويجعله مفهوماً وواضحا على الشاطئ الآخر. فيكتسب النص بعد الترجمة من لغة إلى لغة أخرى سلاسة وعناصر جمالية جديدة! .
هدفه في الترجمة: يقول هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) متكئاً إلى الروايات الـ 60 التي نقلها حتى الآن: رغم كل المشكلات والمصاعب، ما زلت أعتقد بمتعة في ترجمة الأدب. وأضاف "الترجمة لا تطعم خبزاً". والمعلوم لدى الجميع، إنني لا أعيش من ترجمة الكتب، بل أنا أستاذ في جامعة زوريخ للأدب العربي". كان هدفي من البداية حتى اليوم هذا أن أعرض شيئاً مهماً على القارئ الألماني، وأعتقد أنني نجحت في هدفي. وعندي أنّ الأهم هو أن نعلم كيف يعبِّر الأديب العربي عن مجتمعه. عندما كنت في الجامعة كنا نكتفي بالقرائة والكتابة فقط عن العالم العربي، ولم نقدم الأصوات العربية مباشرة. والآن أعمل .
مؤهلات المترجم: عند هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) المؤهلات التي يجب لدى مترجم الأدب هي المعلومات المتوافرة بشكل عام والأدب العربي بشكل خاص، واعتقد أن الصبر والجلوس للقرائة والكتابة أهمية جدا، لأنّ عمل الترجمة يأخذ وقتًا طويلًا.
أهميته في ترجمة الرواية: تقتصر ترجمات فندريش على الرواية العربية والنصوص السردية فقط، وهو لا يترجم الشعر كما يقول: "علاقتي بالشعر صعبة في الأساس. بينما أجد متعة كبيرة في قراءة النثر. أنا مقتنع بأنّ عصرنا هو عصر الرواية. والشعر اليوم ليس ديوان العرب،".
أسباب قلة الترجمة عن العربية: نجد عدة أسباب لقلة الترجمة من العربية إلى الألمانية التي يتداخل بعضها البعض، منها:
أولا- قلة الطلب: وهي الأساس كما نعلم جيدًا قاعدة العرض والطلب لكل شيئ فإذا كان الطلب محدودا على سلعة، فلا تُعرض هذه السلعة. كما لا يهتم الجماهير الألمانية بالأدب العربي، بأن العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط إجمالاً يُنظر إليها الألمان باعتبارها منطقة أزمات ومشهد صراعات.
ثانيا- المحتويات المختلفة: ومن العوامل التي توقف في طريق فهم القارئ الألماني خاصة والغربي عامة للأدب العربي المعاصر أيضاً خصوصية المحتويات الأدبية. مثل قضايا ومشكلات البلاد العربي مختلفة عن ألمانيا التي يعالج الأديب العربي المعاصر، هناك ممكن أن لا يهتم القارئ الألماني بالمحتوى نفسه من قضايا إنسانية.
ثالثا- عدم الاهتمام من الحكومات العربية: ولم تهتم الحكومات العربية بعملية الترجمة من العربية إلى الألمانية كما تهتم باللغة الإنكليزية. وأن نقلا إلى اللغة الإنكليزية يتم تأييد ومساعدة بشكل كثير، فيحصل المترجم الإنجليزي على الشهرة والإعلامية أكثر. وأعرب د. هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) عن حزنه قائلا: :خلال انشغالي في الترجمة على مدى35 سنة الفائتة لم يتواصل معي أي ملحق ثقافي من أي سفارة عربية ليتعرف عليّ أو ليطلع على عملي!" . هكذا إنه يطلب اعترافا رسميا بعيدا عن الثقافة والمثقفين والكتاب والمترجمين، فالترجمة عنده دبلوماسية ومسألة سيادة لغوية. .
رابعا- صعوبة اللغة: مشكلة اللغة العربية في تعليمها لغير الناطقين بها، كما نعلم هي لغة صعبة جدا، فيقول المترجم الألماني غونتر أورت: "دراسة اللغة العربية هي بمثابة دراسة خمس لغات أوروبية."
الخاتمة: وفي الأخير نستطيع أن نقول أن مقالة هذه لا تكتفي ببيان شخصية هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich) وخدماته في ترجمة الأدب العربي المعاصر، كما يقول حسين بن حمزة: "يدين الأدب العربي بالكثير إلى هارتموت فندريش الذي نقل إلى لغة غوته...." . هارتموت فندريش (Hartmut Fähndrich)من أبرز المترجمين الألمان. الذي عكف على نقل سرديات عربية على مدة أكثر من ثلاثين سنة، وترجم إلى الألمانية أكثر من ستين رواية عربية معاصرة، وقدّم للألمان الأدباء العرب مثل نجيب محفوظ، وغسان كنفاني، وسحر خليفة، وإبراهيم الكوني وغيرهم. لم يلقَّ التكريم والتقدير الذي يرى نفسه مناسبا له ما بعد أكثر من ثلاثة عقود قريبا مع الأدب العربي المعاصر إلا بعض الجوائزالمنثورة، لكنه قد دفع بالأوروبيين إلى معرفة ما يحدث في المنطقة العربية وفهمه. وهو بلا شك همزة وصل بين الشرق والغرب أي بين العالم العربي وألمانيا.
المصادر والمراجع
• المنجد، صلاح الدين، المستشرقون الألمان: تراجمهم وما أسهموا في الدراسات العربية، الطبعة الأولى، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1978م.
• دوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، الطبعة الثالثة، دار العلم للملا يين، بيروت، 1993م.
• زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، دار المعارف، القاهرة، 2008م.
• سنو، عبد الرؤوف، ألمانيا والإسلام في القرنين التاسع عشر والعشرين، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، 2007م.
• فالتر، فايبكة، نشر التراث العربي ودراسته في ألمانيا، مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، 1979م.
المصادر الأجنبية
• Said, Edward, W. Orientalism: Penguin Random House, India, Gurgaon, India, 2003.
• Suzanne L. Marchand. German Orientalism in the Age of Empire: Religion, Race and Scholarship, Cambridge University Press, UK, 2010.
• Wokoeck, Ursula. German Orientalism: The study of the Middle East and Islam from 1800 to 1945. Routledge, London, 2009.
• http://www.hartmutfaehndrich.ch/index.htm.