إن الإنسان بطبيعته النفسية وميزته الاجتماعية يعبر ويؤدي عما في نفسه من المعاني والأفكار بتلفظ أو إشارة أو كتابة منها ما يؤدى بقصد أو بدون قصد. وأما التعبير الذي هو المقصود بذاته فينبغي أن يتصور ويدقق في كل ما يقوله. لأن الألفاظ متضمن الدلالة فلا بد له من دراية في الدلالة في تداول المعاني والأفكار والآراء
علم الدلالة هو أصعب فروع علم اللغة، يسميه بعض علماء اللغة "علم اللغة" فهو العلم الذي تعتبر به دراسة المعنى وبأنه العلم الذي يهتم بتعلم الشروط الواجب وقوعها في الرمز حتى يكون قادرا على فهم المعنى فهذا العلم يبحث أيضا عن حقيقة المعنى وكيفية الوصول إليه.
يقول الباحث معروف في رسالته "علم الدلالة ومفهومه" أن علم الدلالة- بفتح الدال و كسرها- له أسمـاء وهي علم المعنى (ولكن حذار من استخدام صيغة الجمع: علم المعاني لأنها من علم البلاغة)، وعلم السيمانتيك، أخذا من الكلمة الإنجليزية: "semantics" أو الفرنسية "semantique" وأصل الكلمة الفرنسية هو اصطلاح وضعه اللغوي الفرنسي ميشيل بريال (Michel Bréal) سنة 1897 وورد في كتابه "مقالات في علم الدلالة" (Essai de sémantique) والكلمة تعود إلى الكلمة اليونانية "sema"التي تعني "علامة". وقد اختلف المؤلفون العرب في مقابلة مصطلح Semantics فبعضهم يقابله بعلم المعنى وبعضهم يقابله باصطلاح دلالة الألفاظ ولكن المقابل الأكثر شيوعا الآن هو علم الدلالة.
وجدير بالذكر أن علم الدلالة بأصوله وقواعده ونظرياته الحديثة قد ظهر في أواخر القرن التاسع عشر ومفهومه ومضمونه كثير في كتابات العلماء القدماء. والآن قد أصبح علم الدلالة علما قائما بذاته، بعد أن أخذ مكانة مرموقة في كنف العلوم الأخرى. يمتد قدمه إلى أعماق التاريخ، فاهتمام المؤلفين بالدلالة واضح في مؤلفاتهم النحوية والمعجمية، ومن مظاهر ذلك عند العلماء العربي اهتمامهم في بيان العلاقة بين طبيعة اللفظ ومعناه
معنى الدلالة لغة
أن (الدال) و(الدليل) و(الدلالة) تطلق ويراد بها لمعنى واحد هو الإبانة والتسدي. - والمعنى العام لكلمة (دلالة) هو الإرشاد والهداية بالأمارة، أو بأي علامة أخرى لفظية أو غير لفظية
"ودله على الشيء يدلّه دلّا ودلالة فاندلّ: سدّده إليه ودللته فاندلّ والدليل: ما يستدل به، والدليل: الدّال. وقد دلّه على الطريق يدله دَلالة ودِلالة دُلولة والفتح أولى"
قال ابن فارس:" الدال واللام أصلان: أحدهما: إبانة الشيء بأمارة تتعلمها، والآخر اضطراب في الشيء. فالأول قولهم: دللتُ فلانا على الطريق، والدليل الأمارة على الشيء، وهو بينّ الدِّلالة والدَّلالة. والأصل الآخر قولهم: تدلدل الشيء إذا اضطرب
وعند الراغب:" الدلالة: ما يتوصل به إلى معرفة الشيء، كدلالة الألفاظ على المعاني، ودلالة الإشارات والرموز والكتابة، والعقود في الحساب، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة أو لم يكن بقصد، كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حيّ، قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
اصطلاحا
هي كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم أو الظن بشيء آخر، أو من الظن به ظن آخر
وعلم الدلالة هو علم دراسة المعنى، ويبحث في الدلالة اللغوية، أي العلاقات اللغوية والمعنى وهو الموضوع الأساسي لهذا العلم، ولا ينكر أحد قيمة المعنى بالنسبة للغة، حتى قال بعضهم إنه بدون المعنى لا يمكن أن تكون هناك لغة
العلاقة بين الدال والمدلول هي علاقة ضرورية فأن اللفظ يطابق ما يدل عليه وأنه يدل على ما في الذهن والخارج كما أشار إليها صاحب كتاب "التعاريفات" الجرجاني
ويمكن القول إن العلاقة بين الدال والمدلول هي تلك الدلالة التي تربط بينها، فقد استقر في المفهوم اللغوي الحديث إن الدلالة: "هي العلاقة بين الدال (اللفظ) والمدلول (المعنى)
ونفهم من التعريفات السابقة أن فعاليات علم الدلالة تكون مختلفة بالنسبة إلى طبيعتها وهي كذلك غير لفظية كالدوال الأربع وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب، يعني أن كل شيء يقوم بدور العلامة أو الرمز، مثل علامات الطريق التي تدل على الطريق، والإشارة باليد أو إيماء بالعين، ومن أمثلة الرمز كذلك حمرة الوجه للدلالة على الخجل والغضب وبهاء الوجه للدلالة على الفرح والسرور والتصفيق علامة للاستحسان، ورسم فتاة مغمضة تمسك ميزانا لرمز العدالة إلى غير ذلك الرموز المتداولة
أهمية علم الدلالة
يعتبر علم الدلالة من أهم جوانب علم اللغة ،وتتسع نطاقها إلى كافة مجالات اللغة كما تتبين أهمية الدلالة في دراسة اللغة للعجميين " "فالدلالة هي جوهر الظواهر اللغوية وبدونها لا يتأتى للألفاظ والتراكيب وظيفة وفاعلية " .ويقول أولمان :" المعنى هو المشكلة الجوهرية في علم اللغة " "تكمن أهميته في أنه يدرس دلالة الألفاظ ، وحياة الكلمات عبر العصور اللغوية المختلفة وما أصابها من عوامل التغيير والبلى والاندثار ، وكذلك يهتم بالعلاقة بين الدلالات والمعاني المختلفة ، الحقيقي منها والمجازي ، وأيضاً نشء الترادف والاشتراك اللفظي والأضداد. ومع ذلك يعد علم الدلالة في بعض اللغات طريقا إلى فهم أسرار اللغة ومعرفة أساليب التراكيب وما يتعلق بها ، من منزلة ألفاظها ومعانيها ووسيلة لمعرفة الشعب الذي يتكلم بها عقلا وفهما، وبيئته وسلوكه وميادين ثقافته.
أنواع علم الدلالة
يمكن أن نقسم علم الدلالة إلى خمسة أنواع وهي الدلالة الصوتية والدلالة الصرفية والدلالة النحوية والدلالة المعجمية والدلالة الاجتماعية (السياقية)
أساسيات علم الدلالة
التحول الدلالي
التحول الدلالي جزء من علم الدلالة. معنى كلمة "الحول" هو تغيير الشيء وانفصاله عن غيره ومنه حوّلت الشيء فتحول أي بدّلت وهذا التغير يرى في الشيء ذاتيا وحكميا وقوليا فالتحول الدلالي هو اللفظ الذي وضع أولا على معنى معين ثم نقل إلى معنى آخر لعلاقته بالمعنى الأول فإذا وقع التحول والتغير فيكون معناه الجديد مناسبا لمعناه الأول الأصلي وإن افترقا ماهية.
وهناك أسباب تؤدي إلى تحول المعنى وتغيره، فكلمة واحدة، كانت مستعملة متعارفة عند قوم، وباختلاف لهجاتهم يختلف معناها عندهم. ويمكن أن يتحول المعنى اللفظي طبقا للتطور الفكري والموقف العربي من اللفظ المتداول بينهم. ومتى تغيرت المفاهيم وتطورت يتغير معناه تبعا لهذه الحالة.
العوامل والأسباب التي تؤدي إلى تغير الدلالة في مراحل متعددة مرجعها الطبيعي يصل إلى ميزة اللغة وحال المتكلم واختلاف عصوره وبلاده ولهجاته. ونجد هذا الاختلاف اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا أيضا. فعلى سبيل المثال لفظا "الخمر" و"الميسر" ورد ذكرهما في القرآن الكريم كأنهما رمزا لسوء الأدب وعدم كفاءة العقل فذكرهما على سبيل القبح حيث قال" يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ" وفي قوله تعالى " إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" وقوله " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"
لكن الخمر رمزا للفخر وعادة للضيافة والتكريم في الجاهلية يتفاخر أهل الجاهلية بها بشرائها وإنفاق المال لكسبها. الشعراء يصفون عن حسنها وشرابها. لكن الإسلام حرم تعاطيها ووصف أنها أم الخبائث ومن شربها فله العقاب فكان له مدلول دني. وكذلك لفظ الميسر وهو من القمار أحلته الجاهلية فجاء الإسلام وحرمه وبذلك تغير موقف الناس من الميسر
وكذلك ألفاظ القمار والربا والأنصاب والأزلام فإن معانيها عند العرب قبل الإسلام استحسنوا بها، فجاء الإسلام فغير دلالات هذه الكلمات فتغيرت وتحولت إلى معاني أخرى مستجدة.
وقد اهتم المفسرون باللغة وورود الكلمات في القرآن الكريم ففسروها بمعاني غير المعاني التي استعملتها العرب في استعمالهم قبل نزول القرآن فلما جاء الإسلام أبطل ما كانت عليه الجاهلية من الأمور والمفاهيم فالإسلام نقل من اللغة ألفاظا مما وضعته العرب واستعملت إلى مواضيع أخرى ومعاني جديدة. ومن أمثلته التحول الدلالي في الشرع، فلفظ "الصلاة" أصل معناها عند العرب "دعاء" فغير الإسلام معناها إلى المعنى الذي أراد به الإسلام وهو أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وكذلك الصوم أصل معناه عندهم الإمساك ثم زاده الإسلام النية ومنع الأكل والشرب والمباشرة وكذلك الحج معناه عندهم القصد ومعناه الذي حوّله الشرع إليه وهو قصد موضع مخصوص (وهو البيت الحرام وعرفة ومشاعر الحج المقدسة المتبقية) في وقت مخصوص (وهو أشهر الحج) للقيام بأعمال مخصوصة وهي الوقوف بعرفة والطواف والسعي عند جمهور العلماء بشرائط مخصوصة.
وكذلك كلمة "الزكاة " فدلالتها اللغوية هي الطهارة والزيادة والنمو ثم تغيرت هذه الدلالة من الطهارة والزيادة والنمو إلى دلالات أخرى وهي "اسم لقدر من المال مخصوص يصرف لأصناف مخصوصة بشرائط" وهي الركن الثالث في شريعة الإسلام وكذلك هناك ألفاظ تغيرت دلالتها الأولى إلى دلالة أخرى اصطلاحية كأسماء الأيام فإن أسماءها قبل الإسلام كما يلي: أوّل، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شيار فتغيرت دلالتها إلى: أحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت وكذلك ألفاظ الشهور فإن أسماءها كانت في الجاهلية مختلفة عن ما هي عليه الآن جاء ترتيبها على ثلاثة عشر كما وردت عن العرب .وأشهرها " المؤتمر وناتق وخوان وبصان وشيبان وملهان والأصم وعاذل وناتق ووعل وورنة وبرك
فتغيرت الألفاظ إلى هذه الأسماء الآتية "محرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الأخرى ورجب وشعبان ورمضان وذو القعد وذو الحجة
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تفسير القرآن لعب دورا كبيرا في تغيير الدلالات اللغوية وتطورها. كما في تفسير آية " وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ حيث قال "وإقامة الصلاة أداءها بأركانها وسننها وهيئتها في أوقاتها "على ما يأتي بيانه يقال قام الشيء أي دام وثبت وليس من القيام على الرجل وإنما هو من قولك "قام الحق أي ظهر وثبت". قال الشاعر "وقامت الحرب بنا على ساق" وقال آخر وإذا يقال "أتيتم لم يبرحوا ....... حتى تقيم الخيل سوق طعان"
التطور الدلالي
المراد بالتطور الدلالي هو تغير الألفاظ حسب معانيها وذلك أن الألفاظ ترتبط بدلالتها ضمن علاقة متبادلة فيحدث التطور الدلالي كما حدث تغير في العلاقة من خلال الانتقال من المعنى الضيق أو الخاص إلى المعنى الواسع أو العام وقد يحدث العكس. وعند بعض علماء اللغة إن أقسام التطور الدلالي كما يأتي: تخصيص الدلالة وتعميم الدلالة ورقي الدلالة وانحطاطها وتغيير مجال الاستعمال.
إن التطور الدلالي وهو تغير معاني الألفاظ حسب التطور الزمني ومنه تخصيص الدلالة وهو تغيير دلالة الكلمة التي تدل على معنى عام إلى معناها الخاص أي التضييق مثلا كلمة السبت معناها الأول (الدهر) ثم نقل إلى معناه الخاص وهو يوم من أيام الأسبوع
وكذلك هناك تعميم الدلالة وهو تغيير دلالة الكلمة التي لها معنى واحد إلى دلالتها على معاني كثيرة. مثلا كلمة "البأس" معناها الشدة والمكروه في الحرب، ثم دلت على كل شدة يعاني بها الإنسان وتصيبه، ومنها قوله تعالى "وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" وكقوله تعالى "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا " وأيضا قوله تعالى "قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا" .
قال علماء الدلالة عن مصطلح نقل المعنى، واصطلاحهم في ذلك رقي الدلالة وانحطاطها يعنى قد تترقى الكلمة وتصعد إلى أعلاها وتهبط فدلالة كلمة "طول يد" معناها "السخاء والكرم" فإن لهذا المعنى قيمة عليا لكنّ هذه الكلمة صارت فيما بعد للسارق، أو يدعى السارق طويل اليد فانحطت هذه الكلمة من الأعلى إلى الأدنى. ومثل هذا كلمة الرسل معناها الأعلى "الانبعاث" كما قال تعالى "وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا " ولكن ربّما يراد برسل الله الملائكة يقول تعالى في سورة العنكبوت "وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ "المراد بكلمة رسلنا "الملائكة" فاختلفت رتبة الدلالة في الآيتين إذ أن كلمة "رسل" في الآية الأولى هم الأنبياء وفي الثانية الملائكة.
ومن تطور الدلالة تغير مجال الاستعمال وهو نقل دلالة الألفاظ من مجالها الحقيقي إلى مجالها المجازي ومنها نقل الألفاظ لتشابه المعنى ويسمى البلاغيون بمصطلح الاستعارة فكلمة النور تدل على الضوء المنتشرة كما قال تعالى في سورة يونس "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا "وقوله عز وجل في سورة الزمر "وأشرقت الأرض بنور ربها " ويرد هذا اللفظ بمعنى الإيمان والإسلام والقرآن في سياق مختلفة ومنه قوله تعالى "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين" معنى النور في هذه الآية القرآن كما بينه الامام السعدي رحمه الله وقوله تعالى " مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا .
الحقل الدلالي
الحقل الدلالي هو مجموعة من الكلمات التي تنتسب إلى مصطلح عام شامل تدخل تحته مجموعة من الكلمات، ككلمة اللون الذي يوجد تحته الأبيض والأخضر والأحمر والأزرق والأصفر إلخ. وعرفه ليـونز "إن الحقـل الدلالي هو مجموعة جزئية للمفردات اللغوية" والهدف من الحقول الدلالية هو جمع الكلمات التي تخص حقلاً معيناً، ثم الكشف عن صلاتها الواحد منها بالآخر، وصلاتها بالمصطلح العام وأحسن طريقة لفهم معنى كلمة هو وجودها في التركيب الذي يسهم في إبراز معناها ويجعلها متباينة عن تلك التي تقاربها أو تبدو مشابهة لها، بالإضافة إلى الوظائف الدلالية ذات الارتباط بالمحيط والثقافة اللذين يعبران عن دلالة اللفظ المستقلة عن كل كلمات اللغة .
فالكلمات داخل الحقل الواحد ليست ذات وضع متساو؛ لأن من أهم مميزات الحقول أنها تنقسم على أقسام أو تصنيفات، وكل حقل منها يحتوي على المجموعة التي تخصه، ثم تدخل تحت كل قسم من الأقسام أقسام صغرى تتفرع عن الكبيرة واعتمد أصحاب نظرية الحقول الدلالية على الفكرة المنطقية التي ترى بأن المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في الذهن، ولإدراكها لابد من ربط كل معنى منها بمعنى أو بمعان أخرى .
السياق الدلالي
هو دراسة الكلمة داخل التركيب أو الشكل الذي ترد فيه إذ لا يظهر معنى للكلمة الحقيقي أو لا تتحد دلالتها إلا من خلال السياق بضروبه المختلفة
والبحث في تركيب المفردة اللغوية وما هو حاصل لها من تطور يوضح المعنى العام أو الخاص فيها، والإشارة إلى المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وربما إلى المعنى الحسي لأي مفردة يمكن الاستدلال عليها من سياق الكلام
وللمفردة بكل أصواتها (حروفها وحركاتها) أكثر من معنى مع أن لفظ تلك المفردة واحد لا يتغير، فضلا عن أن معنى المفردة لا يمكن أن ينكشف إلا من خلال السياق الذي وردت فيه تلك اللفظة أو المفردة
والكلمة في حال إفرادها تحتمل دلالات شتى، والتركيب والعلاقات السياقية هي التي تكشف قصد المتكلم إلى إحدى هذه الدلالات التي تحتملها الكلمة حال إفرادها وعزلها عن السياق، فلكي نفهم معنى الكلمة يجب أن نفهم كذلك مجموعة الكلمات المتصلة بها دلاليا
يقول العالم عبد القاهر الجرجاني "إن الدلالة نتيجة لضم الكلم بعضها إلى بعض، وسبيل ذلك توخي معاني النحو أحكامه فلا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك"
ويقول بعض علماء اللسانيات: لا تقتصر دلالة الكلمة على مدلولاتها فقط وإنما تحتوي على كل المعاني التي نتخذها ضمن السياق اللغوي، وذلك لأن الكلمات في الواقع لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها ولأن السياق يعطي الألفاظ معناها اللاحق لهذا كان من عادات المعجميين إيراد التعابير السياقية والاصطلاحية من القرآن والأحاديث النبوية ومن أشعار العرب شاهدا لبيان معنى الكلمات ودلالاتها
ويوضح اللغوي المشهور جوزيف فندريس إلى أهمية السياق ويقول "إننا حينما نقول بأن لإحدى الكلمات أكثر من معنى واحد في وقت واحد نكون ضحايا الانخداع إلى حد ما، إذ لا يطفو في الشعور من ذلك المعاني المختلفة التي تدل عليها الكلمة الواحدة إلا المعنى الذي يعينه سياق النص
يريد الكاتب هنا إيراد بعض الكلمات من القرآن التي لا يظهر معانيها إلا من السياق مثل كلمة "خذ" التي اختلف معناها حسب ورودها في السياق، كما في قوله تعالى" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ" في هذه الآية معنى كلمة "خذ" "احبس" وفي آية سورة يوسف " فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ معناها "ايسر" ففي هذين الآيتين في معنيين مختلفين وفي مقام ثالث من سورة البقرة " وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ بمعنى "لا يقبل" وفي سورة الغافر أوردها الله بمعنى الإيذاء والقتل وذلك في الآية "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه
ومثال آخر كلمة "قاتل" يقول الله تعالى في سورة التوبة "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ "معنى كلمة قاتل في هذه الآية المحاربة إلا أن آية أخرى تعرض معنى كلمة القتل "اللعنة" كما قال تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" أي معناه لعنهم الله. ولا شك أن للسياق دور مهم في فهم دلالة الألفاظ ومعانيها.