إنّ أدب الأطفال يبدأ مع أغنية المعهد. وهذا الأدب قديم قدم قدرة الإنسان على التعبير. و لا يكون لهذا الأدب تعريف مستقل بل هو يندرج في اطار الأدب العام. وهو يرتبط ببعدين أساسيين وهما الكتاب والقارئ وهذا الأدب لا يختلف عن أدب الكبار في جوهره وأداته. فأدب الطفل نوع من الأدب الفني يشمل أساليب مختلفة من النثر والشعر مؤلفة بشكل خاص للأطفال والأولاد دون عمر المراهقة. وهو التعبير الأدبي الجميل عن الشعور الصادق والأفكار المناسبة لمرحلة الطفولة، تستخدم اللغة التي توافق الطفل ونموه العقلي والنفسي والاجتماعي مستهدفا بناء شخصيته ومتفقا مع خصائص المجتمع.
فقد اختلف كثير من الأدباء بأدب الأطفال في تحديد ماهيته، ووصف طبيعته. لذلك تعددت تعريفاته، وتنوعت مفهوماته، وذلك على النحو الآتي:-
يعرف أحمد حسن حنوره أدب الأطفال بأنّه: هو مجموعة الإنتاجات الأدبية المقدمة للأطفال التي تراعي خصائصهم و حاجاتهم ومستويات نموهم. ( . حنورة، أحمد حسن. أدب الأطفال، (الكويت، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، 1989)، ط1، ص: 10.)
• ويعرفه رشدي طعيمة بأنّه: الأدب الموجه إلي الطفل أو الأعمال الفنية التي تنتقل إلي الأطفال، عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، والتي تشتمل على أفكار وأخيلة، وتعبر عن أحاسيس و مشاعر تتفق ومستويات نمو الأطفال. (طعيمة، احمد رشدى. أدب الأطفال في المرحلة الإبتدائبة: النظرية والتطبيق، (القاهرة، دار الفكر العربى، 1998)، ط1، ص: 24)
• ويعرفه محمد محمود رضوان بأنّه: الكلام الجيّد الذي يحدث في نفوس الأطفال متعة فنية سواء أكان شعراً أم نثراً. وسواء كان تعبيراً شفهيًا أم تحريراً. ويدخل في هذا المفهوم قصص الأطفال ومسرحياتهم وأناشيدهم. (رضوان، محمد محمود وأحمد نحيب. أدب الأطفال: مبادئه ومقوماته الأساسية، (القاهرة، مؤسسة روزاليوسف، 1984)، ص: 10)
ويعرف هادي نعمان الهيتي أدب الأطفال في مجموعه: مجموعة الإنتاجات الأدبية المقدمة للأطفال، التي تراعي خصائصهم وحاجاتهم ومستويات نموهم، هو الآثار الفنية التي تصور أفكارا وإحساسات وأخيلة تتفق ومدارك الأطفال وتتخذ أشكال القصة والشعر والمسرحية والمقالة والأغنية وغيرها. (الهيتي، هادي نعمان. أدب الأطفال: فلسفته فنونه وسائطه، (القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1996)، ط1، ص: 72)
• ويرى شارلوت هاك C.Huck أن أدب الأطفال "كل ما يقرؤه الأطفال أو يسمعونه، سواء أكان في صورة أشعار أم في صورة قصص خيالية أو واقعية، وسواء أكان هذا في صورة تمثيليات ومسرحيات، أم في صورة كتب ومجلات، بشرط أن تكون هذه المختارات المقروءة أوالمسموعة مناسبة لفهم الأطفال وخبراتهم وانفعالاتهم". (Huck, S, Charllots. Children’s Literature in the Elementary School, )New York, Holt, Rinehart and Winston, 1976), p 5-6.)
من التعريفات السابقة نستنتج أنّ أدب الأطفال هو مجموعة من الكتابات التي تتقدم للأطفال في أنواع مختلفة، أو كل ما يقدم من مادة مقروءة أو مسموعة أو مصورة وتشمل هذه المادة أفكارًا وأخيلة، أو هو كل ما يعد للطفل في مادة أدبية أو علمية في صورة مكتوبة أو منطوقة أو مرئية ما تتوفر فيها معايير الأدب الجيد وتراعي خصائص نمو الأطفال وحاجاتهم، وهذا الأدب يشمل كل ما يقدم للأطفال في طفولتهم من مواد تتجسد فيها المعاني والافكار والمشاعر. وفي الحقيقة، أن أدب الطفل هو الأدب الذي يحدّد الأطفال لأنفسهم أو هو مجموعة من الكتابات التي يعتبرها الأطفال خاصة بهم.
أهمية أدب الأطفال
يعتبر الأطفال الثروة الأساسية والحقيقية للأمة وهم بهجة الحياة ومتعة النفس كما قال اللّه تعالي في محكم كتابه: (المال والبنون زينة الحياة الدّنيا)( القرآن الكريم، سورة الكهف، الآية: 46). والأطفال ذخيرة الأمم ومستقبلها ولذلك يجب على كل البلاد المتقدمة أن تحرص على رعاية الأطفال بكل اهتمام. وهذا الاهتمام يختص بأدب الأطفال لأنه أقوى السبل لتعريف الصغار الحياة بأبعادها في الماضي والحاضر والمستقبل. وهنا يظهر الدور الكبير الذي يلعبه أدب الأطفال في تكوين شخصية الأطفال، والدور الأكبر الذي يلعبه الأولياء في استدراج الأطفال إلى عملية القراءة والاطلاع على الكتاب، حيث أن "الطفل الذي يشب بعيدا عن القراءة الحرة في صغره يصبح عازفا عنها في الغالب طيلة حياته، ويصعب على أجهزة التنشئة الاجتماعية المختلفة التأثير فيه في كبره، بسبب عدم تكامل شخصيته، ولذلك يجد نفسه متخلفا في عصر يتميز باتساع أفاق المعرفة". (الحديدي، على. في أدب الأطفال، (القاهرة، الأنجلو المصرية، 1972)، ط2، ص: 23. نقلا عن د. إسماعيل، محمود حسن. المرجع في أدب الأطفال، (القاهرة، دار الفكر العربي، 2004)، ط1، ص: 48.)
تتلخص أهمية أدب الأطفال فيما يلي: (نجيب، أحمد. أدب الأطفال علم وفن، (القاهرة، دار الفكر العربي،1991)، ص: 295 - 298)
• يمكن لأدب الأطفال أن يدعم بقوة تربية الأطفال التربية الروحية الصحيحة. هذه التربية تدعم بدورها بناء شخصية الفرد السوي الذي يتسم بالصفات التي تدعم الفكر والابتكار والابداع. فهو إنسان قارئ: "اقرأ باسم ربك الذي خلق " (سورة العلق -1).
• ويمكن لهذا الأدب أن يعد الأطفال لعالم الغد ويحقق للأطفال التهيئة النفسية والوجدانية والعلمية والعملية.
• يقوم هذا الأدب بدور هام في إثراء لغة الأطفال واللغة كما رأيناها وثيقة الصلة بالتفكير.
• تقوم كتب الأطفال بدور مهم في القيام بعمليات التصنيف، واكتشاف المختلف والمتشابه، وتدريبهم على دقة الملاحظة، وابتكار الحلول والخروج من المتاهات، وإكمال الصور والرسوم وحل الأحاجي والألغاز وما إلى ذلك.
يعد أدب الأطفال مصدراً هاماً من المصادر الثقافية لأنه يساهم في تزويد الوعي المعرفي عند الأطفال عن طريق القراءات المتتالية لمختلف الأجناس الأدبية. ولأدب الأطفال أهمية كبيرة من حيث أنه يلعب دوراً بارزاً في حياة الطفل حيث رأى بعض الأدباء في تعريفه على أنه: "كالفيتامينات للفكر، يحتاج عقل الطفل وخياله منها إلى أنواع مختلفة، كل نوع يعني جانبا من تفكيره، وشعوره، ويقوي نواحي الخيال فيه، ومن ثم يجب أن لا يقصر الذين يكتبون أدب الأطفال كتاباتهم على مجال واحد منه أو نوع بذاته ولا على أدب أمة واحدة". (الحديدي، على. في أدب الأطفال، ص: 47)
ويعتبر أدب الأطفال وسيطا تربويا، يتيح الفرصة أمام الأطفال لمعرفة الإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم واستخدام الخيال، وتقبل الخبرات الجديدة التي يردفها أدب الأطفال( شحاتة، حسن. أدب الطفل العربى: دراسات وبحوث، (الدار المصرية اللبنانية، 1994)، ط2، ص: 7). وهو ينمي سمات الإبداع ويجعل أدب الأطفال أساساً لبناء كيان الطفل عقليا ونفسيا ووجدانيا وسلوكيا وبدنيا. وكان هذا الأدب ذريعة لتكوين أذهان الأطفال من قصص السيرة الذاتية، والتاريخية، والحكايات الشخصية، مع تغذيتهم بالمعلومات. وهو أقرب وسيلة لإصلاح الأطفال وتهذيب نفوسهم وتنقيح أفكارهم وتطهير بواطنهم وتثقيف أخلاقهم. وهو وسيلة مهمة لجذب رجال المستقبل نحو الانتماء والحب والولاء ولإعداد جيل المستقبل. وهو وسيلة مهمة لتعليم الأطفال أشياء جديدة تساعدهم على فهم الحياة والتكييف معها، وتنمية الأحاسيس و المشاعر والمهارات والذوق الفني والجانب المعرفي عند الأطفال لأنّ الطفل هو الثروة الأساسية والحقيقة للأمّة. هذا الأدب يوسع خيال الأطفال ومداركهم من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية أو من خلال قراءتهم الشعرية أو من خلال رؤيتهم الصور. وهذا الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير في الأطفال العواطف الإنسانية النبيلة، من خلال شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرأها الطفل أو يسمعها أويراها.
وأدب الأطفال يعود الأطفال على حسن الإصغاء، وتركيز الانتباه لما افترض عليه القصة الموسوعة من متابعة لأحداثها، تغريه بمعرفة النتيجة التي ستصل إليها الأحداث. ويعوده الجرأة في القول، ويهذب أذواقهم الأدبية. وفي الوقت الحاضر، أدب الأطفال هو نقطة انطلاق كبرى نحو تكوين النشء تكوينا نفسيا وتربويا قويما. وهو وسيلة لتعبير الطفل عن إنفعالاته، وأداة إتصاله بالعالم المحيط به. ويساهم هذا الأدب في إعداد الطفل إعداداً إيجابيًا في المجتمع كي يكون مستعداً لتحمل مسؤلياته الإجتماعية. وينمي هذا الأدب عند الطفل قدراته اللغوية، ويساعده في التعرف على الشخصيات الأدبية والتاريخية والدينية من خلال قصص البطولة. ولأدب الأطفال آثار إيجابية في تكوين الأطفال، وفي بناء شخصيتهم، وفي إعدادهم، ليكونوا رواد الحياة. وأدب الأطفال مرآة وهو يعكس مجتمع الأطفال.
الخصائص الأساسية لأدب الأطفال
يمتاز أدب الأطفال بالخصائص التالية:
1. يشكل فعالية الأطفال إبداعية قائمة بذاتها.
2. يتطلب موهبة حقيقية، شأن أي إبداع أصيل، فهو جنس جديد في الساحة العربية، إن صح التعبير.
3. يتبع من صلب العمل التربوي، الذي يهدف إلى تنمية معارف الأطفال، وتقوية محاكماتهم العقلية، وإغناء حسهم الجمالي والوجداني.
4. يعتمد على اللغة الخاصة بالأطفال، سواء أكانت كلاماً أم كتابة أم صورة أم موسيقيا أم تمثيلا.
5. يشمل جميع الجوانب المتعلقة بالأطفال، من الأشياء الملموسة والمحموسة إلى القيم والمفاهيم المجردة.
تشير هذه الخصائص إلى الأهمية البارزة لأدب الأطفال، التي جعلت منه موضوعاً شغل العديد من الكتّاب والأدباء في العالم، وقد أخذ على عاتقه مسايرة الركب الحضاري والتطور الأدبي بأشكاله وألوانه المختلفة، فقد آمن عدد كبير من الكتّاب والأدباء والمفكرين بأدب الأطفال، وضرورة التركيز عليه، وإظهاره بأشكاله ومميزاته، حتى يقف إلى جانب أدب الكبار، وحتى يسهم في خدمة الجيل الصاعد، الذين هم أطفال اليوم ورجال الغد المرتقب، فهم بناة المستقبل المأمول ورجاله.
فلسفته
تنبع هذه الفلسفة من فلسفة المجتمع ومقوماته وتقاليده، "كما تستمد هذه الفلسفة اليوم من فلسفة التربية الحديثة، التي تولي الطفل اهتماما خاصا بشخصيته، وصفاته الجسدية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية وتسعى إلى أن يحيا الطفل طفولته، ويبني مستقبله بسلام وطمأنينة. الأمر الذي حدا بالقائمين على أدب الأطفال إلى صقله بألوان تلبي احتياجات الطفل وتناسب قدراته بأسلوب فني جميل، يثير خيال الطفل، وينمي فيه حسن التذوق وحب الجمال واستيعاب الأدب".( د. عبد الفتاح، إسماعيل. أدب الأطفال في العالم المعاصر، (القاهرة، مكتبة الدار العربية، 2000)، ط1، ص: 30)
فالبيئة والمحيط يلعبان دورا كبيرا في تكوين شخصية الطفل وصقلها بكل القيم الإنسانية، ولا نستطيع أن نكون إنسانا حيويا إلا بفلسفة تسوية وأدب منقح من الشوائب، "لأن الطفل نشء غض يسهل بناؤه، وتكوينه، وتشكيله، إذا ما أحسنت مداخل هذا البناء ، وإذاما دعمت وسائل هذه الإنشاءات، وإذا ما قويت دعائم هذه التربية، بالتشويق تارة، وبالاستشارة أخرى، وبالتشجيع تارة ثالثة. فيجب أن تبنى فلسفة أدب الأطفال على أنه أدب إنسانى رفيع عميق يبنى ولا يهدم، وأن تسير فلسفته على أساس الأمور التالية:( المرجع السابق، ص:31)
1. وضع مادة أدب الأطفال على حل مشكلات تثير الطفل وتتحدى عقله، وتفتح المجال أمامه كى يفكر تفكيرا علمياً، وتفسح المجال أمامه لخيال منطلق، لكى يتصور ويحلق في عالم مفارق لعالم الواقع.
2. عرض مواد أدب الأطفال على أنها نتيجة تطور لا يقف عند حد، وإتاحة الفرصة للتحرى العقلى بعرض المقدمات، ثم النتائج، وإفساح المجال للطفل للتجريد من حالات متعددة، وتحرير عقليته من المحرمات الفكرية، والدعوة إلى فحص البيئة، بحثاً من خبرات جديدة.
3. تدريب الطفل على الاستماع الناقد، والقراءة والمشاهدة الناقدة، والترحيب بأبداء الرأي.
الخاتمة
ففحوى الكلام أن أدب الأطفال أدب مهم لا غنى عنه لأي أمة لأنه يوفر للأطفال فرصًا لإبداء ما يفكرونه حول الأدب الذي يتربون عليه كما يمنح الأطفال تقديرًا لتراثهم الثقافي الخاص بهم وكذلك تراث الآخرين ويساعد الأطفال على تطوير الذكاء العاطفي.
يقوي أدب الأطفال المجال التنموي المعرفي لأنه يشجع على التفكير العميق في الأدب ويمكن الأطفال من تعلم تقييم وتحليل الأدب، وكذلك تلخيص وإنشاء فرضيات حول موضوع ما. يوفر أدب الأطفال للطلاب وسيلة للتعرف على تراثهم الثقافي وثقافات الآخرين. ومن الأهمية أن الأطفال يتعلمون القيم من خلاله لأن تطوير المواقف الإيجابية تجاه ثقافتنا وثقافات الآخرين أمر ضروري للتطور الاجتماعي والشخصي. يساعد أدب الأطفال الطلاب على تنمية التفكير النقدي. تمتلك القصص القدرة على تعزيز التطور العاطفي والأخلاقي ومن هنا يستحق إبراز دوره وترشيده إلى هدف بناء وتناوله من قبل المجتمع الأكاديمي بالبحث والنقد على مستوى أوسع حتى نتمكن من تطوير أدب موجه للأطفال يصب في الرفع بمستواهم الشعوري والوجداني والعاطفي والتعليمي أكثر من حشو أذهانهم بقراءات لا جدوى لها وقد تنتهي بهم إلى متاهات الضلال باسم أدب الترفيه والتسلية كما نشهد تمظهراته في الآداب العالمية للأطفال حاليا.
المصادر والمراجع
1. حنورة، أحمد حسن. أدب الأطفال، الكويت، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، ط1، 1989.
2. طعيمة، احمد رشدى. أدب الأطفال في المرحلة الإبتدائية: النظرية والتطبيق، القاهرة، دار الفكر العربى، ط1، 1998.
3. رضوان، محمد محمود وأحمد نحيب. أدب الأطفال: مبادئه ومقوماته الأساسية، القاهرة، مؤسسة روزاليوسف، 1984.
4. الهيتي، هادي نعمان. أدب الأطفال: فلسفته فنونه وسائطه، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب،ط1، 1996.
5. الحديدي، على. في أدب الأطفال، القاهرة، الأنجلو المصرية، ط2، 1972.
6. نجيب، أحمد. أدب الأطفال علم وفن، القاهرة، دار الفكر العربي، 1991.
7. الحديدي، على. في أدب الأطفال، القاهرة، الأنجلو المصرية، ط2، 1972.
8. د. إسماعيل، محمود حسن. المرجع في أدب الأطفال، القاهرة، دار الفكر العربي، ط1، 2004.
9.د.شحاتة ،حسن.أدب الطفل العربى دراسات وبحوث،الدار المصرية اللبنانية ، ط2، 1994.
11. د. عبد الفتاح، إسماعيل. أدب الأطفال في العالم المعاصر، القاهرة، مكتبة الدار العربية، ط1، 2000.